ثلاثة هم من وضعوا أساس علم الفلك الحديث ، وأنقذوا الإنسانية من الخرافات القديمة ، كان أولهم هو كوبرنيك في الفترة من 1473-1543 م ، وهو الذي اكتشف الحركة المزدوجة للكواكب حول نفسها وحول الشمس ، والثاني هو كبلر في الفترة من 1571-1630م والذي اكتشف أم مدارات الكواكب حول الشمس بيضاوية ، أيضًا قام بوضع بدايات قانون الجاذبية وهو القانون الذي قام العالم نيوتن بناء أهم نظرياته عليه .والثالث هو جاليليو 1564-1642 م والذي اكتشف قانون تذبذب الأجسام وقانون الأجسام الساقطة ، ووضع أسس قانون القصور الذاتي ، واكتشف البقع الشمسية وأيضًا قوانين المد والجزر ، وأيضًا قام باكتشاف التوابع غير المعروفة ، و قام باختراع التليسكوب والميكروسكوب ، وكرس حياته لكي يدافع عن نظرياته ونظرية كوبرنيك حول دوران الأرض حول الشمس .المولد والنشأة :
ولد العالم جاليليو جاليلي عام 1564 م ، في مدينة بيزا ، أبوه هو فنشنتزيو جاليلي ، وكان يعمل في المجال الموسيقي ، وجمع بين حبه للفن واشتغاله بالتجارة ، بسبب ما يحمله الفن من قله الموارد ، وينتمي لعائلة مرموقة من فلورنسا كان منهم الوزراء والأطباء .كان أبو جاليليو بارعًا في فن العزف على العود ، ويتقن نظريات الموسيقى والرياضيات وكذلك الأدب اليوناني والآداب اللاتينية ، ومن أنصار التجدد الموسيقي داخل البندقية مما أثر ذلك بقوة على شخصية أبنه مستقبلا .دراسة وتعليم جاليليو :
دخل جاليليو وهو بفترة الصبا الدير ، من أجل تعلم مبادئ المنطق ولم يستمر ، من ثم التحق عام 1581م وهو بعمر 16 عام بجامعة بيزا ، ليدرس الفنون الحرة لدراسة الطب ، حسب ما أراد والده ، ولكنه لم يبد أي اهتمام بدراسة الطب ، من ثم عاد جاليليو إلى مدينة فلورنسا في العام 1585 م ولم يتم دراسته ولم يحصل على أي شهادة .ثم اتجه لدراسة مبادئ علم الرياضيات دون علم والده بالسر ، وسطعت موهبته الفذة ، وتدخل معلمه ويدعى : أوستيليو ريتشي ، لكي يوافق الأب على تعليم ابنه الرياضيات ، فوافق شريطة أن لا يؤثر هذا على دراسته للطب .تعلم جاليليو مبادئ علم الفيزياء على يد الأستاذ بوناميكو ، الذي كان يتبع مدرسة أرسطو الملتزمة بالفيزياء الأرسطاطاليسية ، وتأثر جاليليو بمحاضرات المعلم في جامعة بيزا ، حيث كانت هذه الفيزياء خليط من الميتافيزيقا ، والتجربة العلمية ، فكانت نوعًا من علم الكون من أجل تفسير ظواهر وقوانين مادة محددة .ولكن كان المعلم ريتشي كان يدعوه للتخلي عن الفيزياء القديمة ، والاتجاه لدراسة الفيزياء الحديثة ونجح في إقناعه ، وفي عام 1583 م ، قام جاليليو باكتشاف مهم ، هو نظرية تساوي الزمن في ذبذبات البندول ، ووصل إليها من ملاحظة الحركة البندولية لمصباح كان معلق داخل الكنيسية في بيزا ، وقام بتطبيق النظرية ” التساوي الزمني ” على نبضات النبض ونبضات القلب وأخذ يجدد من التطبيقات العلمية لنظرياته الرياضية .ولما عاد إلى فلورنسا حيث مقر سكن الأسرة عام 1585 م ، بدأ في الاهتمام بالعلوم والآداب و بدأ في قراءة الكلاسيكيات ، فقام بدراسة كل من ” فرجيل وهوراس وأوفيد وسنيكا ، وبدأ الشعر يتداخل مع العلم .في عام 1588 ، قدم جاليليو بحثًا يحمل عنوان ” دروس فش شكل جحيم دانتى ومكانه وحجمه ” وحوله شعر جحيم دانتى لمجموعة من المشكلات الرياضية .الاختراعات والعمل :
في عام 1586 م كانت بداية الاختراعات ، فقام باختراع الميزان الهيدروستاتيكي من أجل تحديد الوزن النوعي للأجسام ، و كما أنه قام بكتابة بحث يحمل عنوان الميزان ، ولكنه نشر بعد موته ، وأيضًا كتب كتاب عن مركز الثقل بالأجسام ولم ينشر إلا بعد موته بسنوات .وبدأ يدرس الرياضيات في فلورنسا ، وبحث عن منصب للتدريس الجامعي من أجل الاستقرار المادي ، وعين أستاذ كرسي الرياضيات بجامعة بيزا ، وقضى ثلاث سنوات أستاذ للرياضيات ، وكان يعلم المبادئ القديمة هندسة إقليدس وفلك بطليموس ، أن الأرض مركز الكون ، ثم عمل في جامعة بادوا التابعة للبندقية بعد وفاة والده عام 1591 م .بداية الصحوة :
أعرض جاليليو عن نظرية أرسطو في الحركة ، و هي أن الحركة هي نتيجة لتأثير الغلاف الذي تتحرك فيه الأشياء مثل قوة الماء والهواء ، وأعرض عن نظرية الدافع التي كانت شائعة في باريس وعن الرياضيات الفيثاغورية ، ورياضة أفلاطون والتي كانت تقرأ الأرقام ، بخصائص ميتافيزيقية معينة وتربطها بربط سحري بين مختلف الظواهر الطبيعية .وبدأ يظهر اهتمامه بربط الرياضيات بالتطبيق العلمي ، وأعرض عن الرياضة الأفلاطونية والرياضة البحته ، وتميز فكرة بتكامل المعرفة ، فتجده يكتب عن الشعراء ويربط ذلك بالرياضيات ، عمل في جامعة بادوا ثماني سنوات كانت أجمل سنوات عمره ، وبدأ في اكتشاف بعض القوانين الهامة للميكانيكا ، وأهمهم قوانين تذايد سرعة الأجسام الساقطة تزايد طبيعي .اعترف جاليليو باعتناقه لنظريات كوبرنيك الفلكية ، وكانت أول إشارة معلنه عام 1604م ، وبدأ في إنشاء ورشة بمنزله لصناعة الموازين والمقاييس ، والتليسكوبات والعدسات ، وبدأ في تجميع الأدوات المغناطيسية ، وقام باختراع مسطرة حاسبة وسمها البرجل الهندسي الحربي ، والتي شاع استخدامها لحساب اللوغاريتمات ، وقام أيضًا باختراع مقياس للحرارة عبارة عن ترمومتر بارومترى يتأثر بالحرارة .وتحتل قوانين الميكانيا ركن هام ، في أعماله فقام جاليليو بتوجه كافة اهتماماته من أجل دراسة تلك القوانين ، والعمل على تدرسيها في الفترة من 1602-1609 م ، وكان يخصص محاضرات لشرح الظواهر الميكانيكية .التحول في حياته :
في كتاب الطبيعة لأرسطو قال أن الحركة الطبيعية تنقسم لحركة هابطة وهي الماء والأرض ، وحركة صاعدة وهي الهواء والنار ، ولكن جاليليو قال أن الحركة الطبيعية واحدة ، وهي الحركة الهابطة ، فلو كانت الأجسام صاعدة فهي لا تندفع في مجال ذي وزن نوعي أكبر من وزنها وهذا يدفعها إلى الأعلى كما اكتشف أرشميدس .فالهواء والنار في حال عدم وجود مجال ذي وزن نوعي أكبر منهما فإن اتجاه الحركة يكون إلى الأسفل ، واكتشف قانون الأجسام الساقطة تزداد سرعتها زيادة مطردة مع البعد عن نقطة السقوط بالمكان .الصراع بين القديم والجديد :
وقام باختراع آلة التليسكوب وهو المنظار المقرب للأشياء البعيدة لتبدو أكبر حجمًا مما هي عليه للعين المجردة عام 1609 م ، واستعمل المنظار في دراسة نجوم السماء وأعلن نتاجه الهامة ، أن سطح القمر يشبه سطح الأرض ، ويوجد به جبال أعلى من جبال الأرض ، واكتشف أيضًا أن نهر المجرة مجموعة مكدسة من النجوم الصغيرة .واكتشف أيضًا كوكب جوبيتر المشترى ، وقال أن له ثلاث أقمار تابعة له ، ثم قال أن العدد 4 وليس 3 ، واكتشف بعض البقع الشمسية ، واكتشف أن كوكب زوحل هو أبعد الكواكب السيارة وهو مكون من ثلاث نجوم .كان لتلك الاكتشافات رد فعل قوي جدًا على أوروبا ، البعض كان متمسك بالنظريات القديمة لأرسطو ، أن الكواكب تدور حول الأرض وأنها مركز الكون ، وبدأت مهاجمة جاليليو ، وكان أخطر اعتراض من قبل أنطونيو ماجيني والذي قال أن عدسة جاليليو تجعل الرؤية مزدوجة .في الفترة من 1611م 1615م تفرغ جاليليو بشكل كبير لبحث مشكلة الأجسام الطافية ومشكلة البقع الشمسية ونشر كتابه حديث في الأجسام الطافية ، رسائل شمسية ، وأثار ذلك جدل كبير ، وقضي عشرين عامًا يدعو لنظرية كوبرنيك ، ولكنه مثل أمام محاكم التفتيش عام 1622م وكان يعرف أن النتائج خطيرة لأنها زعزعة للعقيدة الدينية .وكان جاليليو يحاول أن يشرك في دعوته للتنوير العلمي غيره من العلماء ، ولكنهم رفضوا ، كانت المحاكمة الأولى له عام 1614 م عندما التقى براهب من الدومنيكان يدعى نيكولو لورينى ، هاجم جاليليو وهاجم علم الفلك الذي وضع كوبرنيك أساسه ، والهجموم الثاني من راهب دومنيكانى يسمى كاتشينى ، قال أن علم الرياضيات شيطاني .اتهموا جاليليو بعد ذلك باسم كل رهبان دير سان مارك ، بالمروق عند الدين ، ونسبوا إليه قول الأرض تتحرك والسماء ثابتة ، وأن ذلك لا يتطابق مع آيات الكتاب المقدس ، وأن مناقشة الظواهر الطبيعة لا ينبغي الرجوع إلى الكتاب المقدس ، ثم قرر الفاتيكان بناء على الشكوى إجراء تحقيق في سرية تامة .الحصار والموت :
وفرضت الكنيسة عليه حصارًا واسعًا حتى حددوا الإقامة في منزله عام 1633م ومنعت كتبه من التداول ، وعجز تلاميذه عن زيارته ، وفقد نور عينه ، فسمحت الكنيسة لشاب اسمه فيفياني أن يرافقه ، وفي عام 1641 سمحت لعالم أخر هو توريتشيللي مرافقته حتى أيامه الأخيرة .لم يرتفع غضب الكنيسة عن جاليليو حتى بعد وفاته ، فقد رفضت أن تقام له مقبرة تذكارية في فلورنسا ، ولم تقم المقبرة إلا عام 1737 م بعد وفاته بقرن ، وظل غضب الكنيسة على أفكار جاليليو حتى 1757م ، وكان تاريخ سحب تحريم الأعمال التي تعلم الناس نظرية دوران الأرض حول الشمس .