من غير المألوف أن نسمع في المملكة ، لقب ملكة ولكن الملكة عفت هي الوحيدة التي حظيت بهذا اللقب ، هي عفت بنت محمد بن عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم الثنيان ، يعود نسبها إلى آل سعود فجدها ثنيان بن سعود بن مقرن أخو الأمير محمد بن سعود .ولدت في تركيا عام 1915م لأم تركية ، وهي السيدة آسيا هانم ، وقضت حياتها الأولى بتركيا ، وتعلمت في المدارس التركية حتى المرحلة الثانوية ، درست في البداية باللغة العربية ، ولكن بعد فترة قصيرة ألغى أتاتورك العربية من المدارس والدواوين واستبدلها بالحروف اللاتينية لذلك لم تتعلم الملكة اللغة العربية في ذلك الوقت .في العام 1931م أرسلت عفت إلى الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ، رسالة تطلب فيها السماح لها بالعودة إلى المملكة لأداء فريضة الحج مع عمتها جوهران ، فوافق الملك عبد العزيز رحمه الله ، وطلب من أبنه الثاني ووزير خارجيته ونائبه على الحجاز الأمير فيصل أن يحسن استقبالها .حينما التقى الأمير فيصل بها أول مرة أعجب بشخصيتها ، على الرغم من أنها في ذلك الوقت لم تكن تعرف اللغة العربية فكانت تستعين بمترجم ، وسرعان ما تعلمت اللغة العربية ، تزوج الأمير فيصل منها ، وأنجبت له الأمراء محمد و سعود وعبد الرحمن وبندر وتركي والأميرات سارة ولطيفة ولولوة وهيفاء .عندما وصلت الملكة عفت إلى المملكة لأول مرة ، تفقدت أحوال النساء فأحزنها ما وجدت ، فقد كانت نساء المملكة في ذلك الوقت ممنوعات من التعليم ، وكن يتزوجن وهن صغار ، ولأنها كانت متعلمة فكانت تدرك تمامًا أن التعليم هو أساس بناء الدول ، وأن المرأة يجب أن يكون لها دور فعال في المجتمع .عندما أصبح زوجها ملكًا كان تقيم مجلسًا لنساء المملكة ، لتستمع إلى شكواهن ومشاكلهن ، وتوصل أصواتهن إلى زوجها الملك ، ومما ساعدها على أداء دورها هو موقف سمو الملك فيصل رحمه الله فقد كان إنسانًا واعيًا ، مما شجعها على أن تطلب منه ، أن يسمح للمرأة بالتعليم في المدارس فوافق الملك فورًا .واجهت الملكة رفضًا شديدًا في البداية من المجتمع ، ومن الجماعات المحافظة فكانوا يصرون على أن المرأة مكانها الوحيد هو البيت ، فكانت تذكرهم دائمًا بدور زوجات النبي صلّ الله عليه وسلم ، والصحابيات الجليلات .وبدأت بالخطوة الأولى ، افتتحت قسم البنات بمدرسة الطائف ، ولكن هذا القسم لم يلق نجاحًا حيث رفض الأهالي إرسال بناتهن ، وتم غلق القسم بعد 4 سنوات ، ولكنها ظلت تحاول.بعد ذلك نجحت بفضل دعم زوجها في تحقيق حلمها وإنشاء مدرسة دار الحنان للفتيات عام 1955م ، وقد وجدت في البداية صعوبات شديدة ، في جلب المدرسات إلى المملكة ، وفي وضع المناهج الدراسية الملائمة ، ولكن بفضل حكمتها ودعم زوجها تغلبت على تلك الصعوبات .كما أن الأهالي ترددن في إرسال بناتهن إلى المدرسة للتعلم فحرصت على إرسال بناتها إلى المدرسة حتى تشجع باقى الآسر ، وقد حرصت أيضا على افتتاح الجمعيات الخيرية والاجتماعية ، مثل جمعية نادي فتيات الجزيرة الثقافي ، والتي تحولت بعد ذلك إلى جمعية النهضة .لكن الأمور لا تسير دائمًا كما يبغي الإنسان فقد استشهد زوجها الملك فيصل رحمه الله عام 1975م ، مما سبب لها حزنًا وألمًا شديدًا فابتعدت لفترة عن العمل ، لكنها أوكلت إلى ابنائها مهمة دعم ورعاية المدارس فقد زرعت فيهم حب التعليم والثقافة .مازالت مدارس دار الحنان في رعاية الأميرات بنات وحفيدات الملكة عفت ، كما قام ابنائها الأمراء بافتتاح مدارس الملك فيصل بالرياض ، توفت الملكة عفت عام 2000م عن عمر يناهز 85 عامًا بعد إجراء عملية جراحية .