ولد العالم محمد بن موسى بن كمال الدين الدميري عام 1341م ، وعمل حائكًا في متجر الخياطة مع والده ، وأظهر رغبته في تلقي العلم ، فكان يصطحب الكتب معه في دكان والده ، ويقوم بالقراءة فيها أثناء عمله .وألحقه والده للدراسة في جامع الأزهر ، حيث درس اللغة والأدب والحديث والفقه ، وتتلمذ على يد كبار علماء المسلمين ، منهم بهاء الدين السبكي والبرهان القيراطي والبهاء عقيل وجمال الدين الإسنوي ، ثم ظهرت موهبته ونبوغه في العلم ، وعمل كمدرس في جامع الأزهر منذ صغره .وتتلمذ العديد من العلماء والفقهاء ، منهم المؤرخ نقي الدين الفارسي والفقيه الشافعي والمقريزي ، وقام بتأليف العديد من الكتب منها حياة الحيوان الكبرى ، والذي تم ترجمته إلى عديد من اللغات ، كما كتب في الحديث والفقه .كتاب حياة الحيوان الكبرى :
يعد ذلك الكتاب موسوعة ، بل والمرجع الأول في عالم الحيوان ، حيث ضم الكتاب الحديث عن 1069 نوع من الحيوانات والحشرات والطيور ، ووضح فيه أسماء الحيوانات خلال مراحل نموها ، وخصائص كل حيوان وما يميزه ، والأسماء التي تطلق على تلك الحيوانات في مختلف الدول العربية ، بل والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، التي ذكرت فيها أسماء تلك الحيوانات.وتوجد نسخة من الكتاب في مكتبة باريس ومكتبة برلين ، وتم ترجمة الكتاب إلى اللغة الفرنسية بواسطة سلفستر دي ساسي ، وترجم إلى اللغة الانجليزية عن طريق الكولونيل جايكار ، وترجم إلى التركية عن طريق حكيم شاه القزويني ، بأمر من السلطان سليم الأول.الدميري والشيخ بهاء الدين السبكي :
كان الدميري منذ صغره يتأمل الشيخ السبكي ، وهو يحلم أن يصير مثله يومًا ما ، وعلم والده موسى رغبة ولده في أن يصبح واحد من علماء المسلمين ، كما كان يلاحظ حبه بالشيخ السبكي ، وتأمله له عندما كان يعبر من أمام دكان الحياكة الخاص به .وذات يوم توجه الشيخ السبكي ، قاصدًا دكان حياكة موسى وولده الدميري لحياكة ملابس له ، وجلس ولاحظ وجود كتاب من كتب العلم في الدكان ، وقد عرف من موسى أن ولده محمد ، يعكف على تلقي العلم والقراءة في أوقات الفراغ ، وإنه يحلم أن يصير عالمًا يومًا ما.فطلب الشيخ السبكي من موسى ، أن يحضر له ولده محمد كل مساء ، ليتتلمذ على يده وكان محمد الدميري يقضى ساعات الليل الأولى ، كل يوم بصحبة الشيخ السبكي ، ودرس محمد الدميري الحديث والفقه ، على يد الشيخ السبكي .وحفظ الأحاديث والقرآن وأحيانًا كان ينجز عمله في متجر والده ، ثم يقصد في العصر جامع الأزهر ، ليجلس وينصت كلمات الشيخ السبكي ، ويشاركه الجدل والنقاش ، وذات عام أخبر الشيخ السبكي محمد الدميري ، برغبته في اصطحابه لأداء الحج على نفقته الخاصة .وركب محمد مع الشيخ السبكي على هودج ، في ظهر جمل يسير في مقدمة القافلة ، ثم انحدرت القافلة إلى الجنوب من أرض الحجاز إلى أن وصلت مكة المكرمة ، وكان مع الشيخ السبكي عدد من العلماء خرجوا معه للحج .وكان محمد قد درس علوم الدين على أيديهم ، وفوجئ محمد الدميري ، أن الشيخ السبكي يدعوه ذات نهار ليمتحنه مع العلماء فيما يدرسه ، من علوم اللغة والدين طوال سنوات عديدة في الجامع الأزهر بالقاهرة .واختار له عدد من الآيات القرآنية ، لتكون موضوع الامتحان ، وبلغ محمد الغاية من النجاح وعانقه الشيوخ مهنئين بنجاحه ، وصار محمد واحد منهم ، ودعاه الشيخ السبكي ليلقي على الحاضرين درس في الدين .وعاد محمد الدميري وكان قد بلغ حبه للعلم قمته ، فسعى للقراءة في علوم الكيمياء والطبيعة والفلك والجغرافيا والنبات والحيوان ، وتلقى العلم على يد القزوين وابن خلدون ، وكون مكتبة شاملة بكل العلوم الزاهية في عصره ، وفي الصدارة كانت تلك الكتب المختصة بعلم الحيوان ، مما سعى بعدها لتأليف كتاب حياة الحيوان الكبرى ، بمساعدة تلميذه المقريزي.