العمل الإنساني والدفاع عن حقوق من هم أضعف منا قوة ، وأكثر تضررًا نتيجة حروب أو مجاعات أو حتى كوارث طبيعية ، هذا الأمر قد يبدو للبعض أمر عادي ويمكن للجميع القيام به ، ولكن في الحقيقة هذا العمل الإنساني على قدر بساطته الظاهرية إلا أنه قد يسهم في إنقاذ شعوبًا كاملة ، ولعل فريتيوف نانسين أحد النشطاء الحقوقيين الذين ساعدوا وساهموا كثيرًا في مجال العمل الإنساني .يمثّل يوم العاشر من شهر أكتوبر ذكرى ميلاد الناشط الحقوقي فريتيوف نانسين ، وهو نرويجي الجنسية وينحدر من عائلة عريقة للغاية ، اشتهر بالتزامه العملي والأخلاقي على مدار حياته ، وكان والده يعمل محاميًا من أجل استرداد حقوق الفقراء والضعفاء ، بينما لم تعمل والدته سوى على تربيته وتنشئته نشأة حسنة ، فكانت دائمًا ما تنصحه بممارسة الرياضة بشكل دائم حفاظًا على صحته ، وحتى يستطيع التقدم للأمام كيفما شاء .عُرف عن فريتيوف نانسين أثناء فترة التحاقه بالجامعة بأنه طالبًا متميزًا ، حيث التحق بجامعة أوسلو عام 1881م ، ودرس بها في مجال علم الحيوان ، وأحرز تقدمًا علميًا ملحوظًا أبهر كل من تعاملوا معه ، وعقب مرور عام من بدء دراسته الأكاديمية التحق نانسين بفريق بحثي ، انطلق إلى ساحل جرينلاند الشرقي على ظهر سفينة تُدعى فايكنج.وكانت مهمة هذا الفريق البحثي مراقبة الدببة وحيوان الفقمة ، وكانت رحلة ملهمة جدًا بالنسبة لنانسين حيث أصدر أول كتاب له عقب عودته من الرحلة الاستكشافية وتحدث في كتابه عن تلك المغامرة الثرية وقدم من خلاله العديد من المعلومات حول الحياة البرية والحيوانات ، وما مروا به أثناء الرحلة.استمر نانسين في دراسته حتى أنهى تلك المرحلة ، ثم واصل شغفه بعلم الحيوان فظل يدرس حتى حصل على درجة الدكتوراه ، وساهم في تقديم العديد من البحوث والمؤلفات في مجال تخصصه ، مما أثرى هذا المجال وعمل على تطويره ، وخلال تلك الفترة استطاع نانسين أن يذهب في رحلة علمية صوب القطب المتجمد ليكون بذلك أول شخص يقوم برحلة استكشافية تجاه تلك المنطقة المتجمدة بالعالم.كانت القاعدة الرئيسية التي اعتمد عليها نانسين طوال حياته مقولة شهيرة مفادها ؛ أدمر الجسور خلفي ، لذلك لا يكون أمامي أي خيار آخر سوى التقدم إلى الأمام ، وكانت تلك القاعدة هي شرارة الانطلاق التي دفعت نانسين إلى توجيه أنظاره نحو مجال حقوق الإنسان ، حيث نادى نانسين بضرورة أن يحصل كل فرد على مستوى العالم بكافة حقوقه ، وأن يتمتع بها على أرضه في سلام.هذا الأمر تسبب في نقلة نوعية بحياة نانسين حيث تم تعيينه سفيرًا لبلاده لدى بريطانيا في عام 1908م ، ثم ترأس في عام 1917م وفدًا نرويجيًا بالعاصمة واشنطن ، كان قد ذهب للتفاوض من أجل فك الحصار الذي فرضته دول الحلفاء إبان الحرب العالمية الأولى ، مما تسبب في عرقلة وصول المواد الغذائية الأساسية إلى مستحقيها من المدنيين في أوروبا ، تلك الجهود التي بذلها في الدفاع عن حقوق البلدان الصغيرة والمواطنين الضعفاء ، والتي تكللت بتنصيبه رئيسًا للاتحاد النرويجي بعصبة الأمم خلال مؤتمر باريس للسلام في عام 1919م .ثم عمل نانسين في المساعدة على إعادة المساجين إبان الحرب العالمية الأولى إلى بلادهم ، حيث أعاد ما يقرب من 450 ألف جندي أسير إلى أوطانهم مرة أخرى ، خلال الفترة من عام 1920م وحتى عام 1921م.ولم يتوقف نشاط نانسين عند هذا الحد ، فقد ساعد مواطني البلدان التي تضررت من جراء ويلات الحرب مثل روسيا ، وتركيا ، وأرمينيا ، وسوريا ؛ بالسماح لهم بالمصادقة على جواز السفر وإعطائهم حق اللجوء إلى دول أخرى ، والحصول على هُوية مما سمح باعتراف أكثر من 52 دولة بهم ، وحصل على إثرها نانسين على جائزة نوبل للسلام عام 1922م.واصل نانسين جهوده السلمية فانطلق مع بعثة الصليب الأحمر إلى المناطق التي عانت من مجاعات شديدة ، عقب الثورة الروسية وساعدت جهوده في إنقاذ حوالي 22 مليون شخصًا. وبالإضافة إلى ذلك شارك نانسين في مسائل مفاوضات تبادل الأسرى المدنيين بين كل من تركيا واليونان ؛ في أعقاب اندلاع الحرب بين الدولتين ، فساعد على تقديم المساعدات الإنسانية لهم عقب تعرّض الأرمن إلى محاولات إبادة جماعية آنذاك .