إن مما ينقص مكتبتنا العربية اليوم ، خاصة في بلاد شبه الجزيرة العربية ، هو أن تجمع شتات الأخبار ، والروايات ، والعمل على تدوينها ، وتوثيقها والتثبت من صدقها وصحة نقلها.ظلت هذه المكتبات بما حوته من كتب التاريخ ، والسير والتراجم ، بحاجة لأقلام وأخبار المؤرخين الذين ينقلون للقارئ ظروف الحياة السياسية والاجتماعية والحالة الاقتصادية لعدد من الأقاليم والمدن ، في فترات غابت أخبارها وأحداثها عن الباحث لولا اجتهادات عدد من المؤرخين الذين ضاعت معظم كتبهم ومخطوطاتهم ، وكان من بينهم ، المؤرخ الكبير أحمد الحضراوي .من هو المؤرخ أحمد الحضراوي :
يعد واحد من أشهر مؤرخي المملكة المعاصرين ، وخاصة في تاريخ مكة المكرمة ، فقد ترك عددًا من المؤلفات التي لا غنى عنها ف بابها ، معظمها في التاريخ ، ونقل عنه الكثير من المؤرخين ، ولا زالت كثير من كتبه القيمة ، في غياب عن مجالات البحث والتحقيق.وتميزت كتبه أنها كتبت عن طريق المعايشة ، فاستطاعت أن تنقل صورة حية ، لكل جوانب المناطق التي يؤرخ لها.نشأته ، وحياته العملية :
ولد عام 1252هـ ونشأ في مدينة الإسكندرية شمال مصر ، ثم سافر مع أبيه إلى مكة وهو ابن السبع سنوات ، حيث درس علوم الحديث والفقه والتاريخ ، وتتلمذ على عدد من المشايخ كالشيخ أحمد الدهان المكي ، وحسين باشا أمير مكة ، والشيخ محمد سعيد بن محمد الخليدي الشهير ببشارة.عائلة الحضراوي في ذاكرة مكة المكرمة :
وكان لهذه الأسرة الكريمة وجودًا مشرفًا خالدًا في تاريخ مكة المكرمة ، خاصةً فيما يتعلق بالنسخ سواء الكتب أو نسخ القرآن الكريم ، بداية من والده وكذلك جده ، الذي كان ينسخ الكتب العلمية ثم التزم بكتابة القرآن المجيد ، في باب السلام ، المفتي الحنفي الشيخ عبده الحضراوي .تنقله في البلاد ومخالطة أهل البلاد التي ينزلها :
سطرت لنا كتبه كثير من الرحلات التي قام ، حيث طاف بمعظم البلاد الإسلامية ، ومنها مصر ، حيث ذكر أنه تنقل بين مدنها وقراها ، وخالط علماءها ، كما زار سورية ، ونزل دمشق مرتين ، كما زار الأستانة ، واجتمع فيها بالعلماء ، مثل أحمد فارس الشدياق .مؤلفاته :
كان عالمًا حقًا له كثير المؤلفات ، في مجالات التاريخ ، والأدب ، والفقه ، وظل مشتغلًا بالعلم والتأليف حتى وفاته ، آثر حياة الزهد والتقشف ، ومما نُشر مؤخرًا في رسالة ماجستير عنه في جامعة الملك عبد العزيز ، أن عدد كتبه التي فقدت يبلغ خمسة وثلاثين كتابًا.كتاب نزهة الفكر :
من أهم كتبه ويتكون من خمسة أجزاء ، ثلاثة منها في حوادث التاريخ ، من فجر التاريخ إلى عصر المؤلف ، وهو منهج العلماء المسلمين الأوائل في كتابتهم ، وسردهم لمجريات التاريخ أما الجزء الرابع والخامس فقد خصصه لتراجم الرجال ، حيث ترجم لعلماء وأمراء ، كان لهم ذكر في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين .اعتمد في تراجمه على مصادر عدة منها لقاءات واجتماعات حصلت بينه وبين أصحاب التراجم ، والكتب والرسائل التي توفرت له ، كما كان جل اعتماده على معارفه وتنقلاته التي لقي خلالها كثيرًا من الأمراء ، والعلماء ، والأدباء .ما يميز تراجمه :
لاحظ الباحثون أن التراجم التي ضمنها كتابه ، اتسمت بالثراء والدقة وحاولت أن تتبع كل ما يتعلق بالشخصية التي يترجم لها ، وإذا ترجم لأحد الشعراء حرص على أن يورد بعض شعره ، شعره في كتابي الرضا والقبول في فضائل المدينة وزيارة الرسول ، وكتاب العقدالثمين في فضائل البلد الأمين :
ورد ذكر هذا المؤرخ الكبير في معجم البابطين لشعراء العربية ، في القرنين التاسع عشر والعشرين ، وله إنتاج شعري يتمثل في بضع قصائد وقطع ، ذكرها في أثناء كتابيه المذكورين .أسلوبه ومنهجه في كتبه :
اتبع طريقة السرد التاريخي لا الطريقة الحولية كمثل أكبر مؤرخي الإسلام الأوائل من أمثال محمد بن جرير الطبري وابن كثير ، وحمل أسلوبه نفس خصائص مؤلفات التاريخ الإسلامي من حيث سهولة الألفاظ ووضوح المعنى ، إلاّ أن بعض كتاباته فيها مآخذ لغوية ونحوية نتجت عن حالة التدهور الثقافي التي شكلت ما يقرب من الظاهرة المألوفة في زمانه . وفاته :
توفي بمكة المكرمة سنة 1909م وكان عمره 75 سنة ، ودفن بمقابر المعلاة ، رحمه الله رحمةً واسعة.