عندما نري أطباق الفاكهة والأطباق المليئة بالأطعمة المرتبة علي نحو متناغم ، وحبات التوت التي تعكسها شفافية الأواني الذهبية والفضية ولمعة الكؤوس البلورية ، وحينما نحس مسبقًا بحموضة الليمون وطراوة الفطائر ، ونزور بأعيننا عنقود العنب الأحمر الذي يدعو أصابعنا لالتقاطه .ونشم رائحة الخوخ ونحن ننظر إليه بقشره المخملي ، وندرك خشونة البرتقال بالبصر ، فإننا نقول لأنفسنا أن هذه العوالم الصامتة التي نجمع فيها بين متعة النظر ، وحاسة التذوق واللمس والشم وحتى السمع ، لا يمكن لها أبدًا أن تتوافق مع تسميتها الطبيعة الصامتة ، والفضل في ذلك يرجع الي كارافاجيو.من هو كارافاجيو ؟
رسام ايطالي اسمه مايكل أنجلو ميريرزي ، واللقب كارافاجيو نسبه إلى مدينة مسقط رأسه وهي كارافاجيو ، ولد عام 1573م وتوفي عام 1610م وهو أكثر الفنانين الذين كانوا يهتموا بإضافة جو درامي علي مشاهد لوحاتهم الواقعية ، من خلال اللجوء إلى استغلال تفاوت الضوء والظلال ، وكان لهذا أكبر الأثر علي الفنانين الذين جاءوا من بعده في قلب مفاهيم الرسم في ايطاليا وأطلق اسمه علي تيار فني شمل كامل أوروبا.أسلوبه :
لكارافاجيو أسلوب متنوع رائع أحدث ما يشبه الثورة في مزاج التصوير الايطالي وأسلوبه ، وقد أحب التناقضات العنيفة بين الضوء والظل ، واستخدام حيلًا كإضاءة المنظر من مدفأة مخفاة ، وشكل صورة بالضوء وأخرجها من خلفية معتمدة.شهرته :
كان كارافاجيو بلا جدال واحد من أشهر فناني عصره ، وقد اختط خطًا خاصًا به كان له أثر كبير على تيار واسع من الفنانين ، غير أن التطابق الذي قد يحدث بين بعض القيم الفنية والأدبية وسلوك الفنانين تجاه غيرهم لا ينطبق على كارافاجيو ، حيث عاش حياة غريبة مليئة بالعنف ، والقتل ، والهرب والشتائم ! ، فقد كان يمارس العنف في الحانات التي يرتادها ، ويتفاخر بحمل الخناجر والسيوف معه ، ويدخل كثيرًا في عراك مع من يعرف ومن لا يعرف .الفنان القاتل :
وقد كانت هذه البداية العنيفة بسبب فتاة اسمها لينا هام كارافاجيو بعشقها ؛ وهي امرأة ذات جسد روماني جميل تطلع إليها رجل أخر يدعى باسكلوني ، وذهب لوالدة الفتاة وهو يطمع في الزواج بها، فذهبت الأم لمقابلة الرسام لتحدثه في هذا الأمر ، غير أن هذه الحكاية لم تدم طويلاً بعد تلك المحادثة إذ تلقى باسكلوني هجوماً من الخلف أرداه قتيلاً.لم يكن هناك شك في من هو الفاعل ، فقد حامت الشبهات حول الرسام العاشق ، بعد ذلك بسنوات كانت لديه قتيل أخر ، فقد حدثت معركة أخرى مع توماسوني ، كان الفنان المشهور برسم إبداعات فنية شهيًرا بتلاعبه بالسيوف .فتم الاتفاق على النزال في إحدى الساحات بينه وبين توماسوني ، ثم حدث أسوأ ما كان يتخيله كارافاجيو : نقل غريمه لمنزله وهو يحتضر ، وأعلن السلطات القضائية حينها أن كارافاجيو مطلوب بسبب جريمة القتل وخصصت مكافأة للقبض عليه ، وبعدها ظل كارافاجيو بين السجن والهرب من السجن ثم العفو ، فقد كانت العبقرية الشريرة تجد لها مكانًا.كارافاجيو في متحف بوشكين :
افتتح مؤخرا في متحف بوكشين للفنون الجميلة بموسكو معرض لأعمال هذا الرسام الايطالي العبقري ، وقد ضم المعرض 11 عملًا للفنان الايطالي الكبير ، الأمر الذي كان في الأمس مستحيلًا ، إذ لم يحدث أن عرض خارج ايطاليا أكثر من لوحة أو لوحتين ، وضم المعرض روائع الفنان التي رسمها في أواخر حياته ، والتي تتناول مواضيع دينية مسيحية من زاوية جديدة .من لوحات الفنان المشهورة هي موت العذراء ، وقد كانت أحد الأسباب التي جعلته فارًا من حكم البابا عليه بالموت ، وقد كان لدي كارافاجيو انفصام بالشخصية ، يفكر بطريقتين مختلفتين ، يدمجها أثناء رسمه ، نصفه ينفذ ما يأمره به الرهبان أثناء رسمه اللوحات ، ونصفه الآخر يرسم مظاهر من حياته الشخصية ويدمجهما بصورة غير ملحوظة ، حيث يستعمل الناس الموجودين في حياته كنموذج للرسم وهذا لن يسر الرهبان ومن أهم أعماله موت العذراء .أهم أعماله :
كان أول فنان يتجرأ على رسم طبيعة صامته لذاتها ، ومن أشهر لوحاته سلة الأزهار التي
يمكن وصفها بأنها لوحة طبيعية حقيقية ، وقد أثارت جدلًا كبيرًا بين الفنانين خلال القرن السابع عشر ، الذي كان بالفعل العصر الذهبي للطبيعة الصامتة.