للساحرة المستديرة قصصًا مختلفة ، مع لاعبيها من كافة أنحاء العالم ، ولكن جارينشا يعد هو اللاعب الأكثر إثارة للجدل ، بين زملائه على مستوى العالم ، هذا الرجل الذي عانى كثيرًا من تقوس بساقيه ، جعلت كافة الأندية ترفضه من أمام أبوابها .اشتهر بيليه كأفضل لاعب على مستوى العالم ، عدا البرازيليون الذين يعدون جارينشا ، هو الأفضل على الإطلاق ، سواء في تاريخ البرازيل أو العالم أجمع ، فبيليه بالنسبة لهم ابنًا للعالم كله ، أما جارينشا فهو لاعبهم الأوحد ، الذي يعبر عن المظلومين والمقهورين ، هذا الشاب الفقير الذي وقع فريسة لناديه ، حتى مات قهرًا .كان جارينشا قد احتل مكانة كبرى ، في قلوب البرازيليين جميعًا ، ممن شاهدوا لعبه وكفاءته العالية ، وتعني جارينشا باللغة البرتغالية ، الطائر المقوس نظرًا للتقوس الواضح في ساقيه ، ولكن على الرغم من هذا التقوس ، إلا أن جارينشا استطاع أن يظهر مهاراته ، ويترك خلفه بصمة واضحة للغاية في مجال كرة القدم .نشأة جارينشا :
ولد مانويل فرانسيسكو دوس سانتوش ، الشهير باسم جارينشا في أكتوبر عام 1933م ، في باوجراندي بالبرازيل ، وكان جارينشا قد ولد بساقين مقوستين ، ونظرًا لعدم قدرة عائلته المادية ، وانخفاض مستوى الرعاية الصحية بالبلدة ، لم يتمكن والديه من السفر به ، وعلاجه من هذا التقوس .كان جارينشا يعيش بساقيه المقوستين ، ولكنهما لم تعيقاه عن اللعب والانطلاق ، بل وممارسة رياضة كرة القدم ، التي برع فيها بشدة وهو صغير السن ، حيث كان يتمتع بالسرعة والمهارة ، ولديه طرقه المميزة في التملص من المخاطر ، ولكنه كان يتم رفضه من أمام أبواب النوادي ، كلما تقدم للالتحاق بأحدهم ، لأجل ساقيه ، فاضطر للعمل في أحد مصانع النسيج ، وهو بعمر الرابعة عشر عامًا ، وترك حلمه في لعب كرة القدم .عشق الكرة :
لم يكن لعب كرة القدم لدى كارينشا ، سوى هواية وشغف كبير فقط ، ولم يخطط للاحتراف بها ، ولكن أراد أن يلتحق بأحد النوادي ليمارسها كيفما شاء ، ولكنه رُفض .ذهب جارينشا لأول مرة ، إلى نادي فاسكوم ، ولكن تم طرده من النادي ، لأنه لم يحضر معه حذاء رياضيًا ، فانطلق صوب نادي فلومننسي الرياضي ، إلا أنه غادره قبل يبدأ ، نظرًا لتقوس ساقيه ، وكانت محطته الأخيرة في نادي بوتافوجو ، حيث شاهده المدرب ، وسارع لضمه إلى ناديه ، بعدما رأى مهاراته في اللعب .كان لجرينشا مهارات رائعة ، في الإمساك بالكرة أو مراوغة خصومه ، وفي إحدى المباريات مع الأرجنتين ، قام جارينشا بمراوغة نجم الأرجنتين فايرو ، وانطلق أمامه بالكرة ودفع الأخير للركض خلفه ، وهو في الحقيقة قد ترك الكرة لآخر ، مما دفع جماهير أميركا اللاتينية في الهتاف باسمه ، وترديد كلمة أوليه لأول مرة في الملعب .حلم المونديال :
لمع نجم جارينشا ، بعدما أظهر مهاراته الخاصة ، إثر انضمامه لمنتخب البرازيل عام 1958م ، وكان يبلغ من العمر في هذا الوقت ، سبعة عشر عامًا ، ليكون بذلك أصغر لاعب بالبطولة ، وقد ظهرت مهاراته بقوة أمام منتحب روسيا ، ليشيد به الجميع إلى جوار ابن بلده ، بيليه .حصل منتخب السامبا في هذا الوقت ، على البطولة وتلاها التطلع الجديد في عام 1962م ، حيث كان جارينشا في قمة العطاء لمنتخب بلاده ، حتى أن أعضاء النادي قد تدخلوا ، عندما تم طرد جارينشا خلال المبارايات نصف النهائية ، والتي فازت فيها البرازيل 4/2 مقابل تشيكوسلوفاكيا ، وخشي المدربون ومسؤلو النادي ، من حرمان جارينشا اللعب مع الفريق ، فتدخلوا لدى الحكم وتم إعادة جارينشا ، وتحقق الحلم للبرازيل للمرة الثانية على التوالي .عقب مونديال 1962م ، بدأ مسؤلو النادي في تضييق الخناق على جارينشا ، وبدؤوا في أخذ توقيعاته بشأن عقود الرعاية وغيرها ، مما تسبب له في خسائر فادحة، وأعاده فقيرًا مرة أخرى ، فكانوا يأتون بعقود اللاعبين ويمنحون جارينشا ، عقودًا على بياض ويكتبون فيها ما يشاءون من أقل الأجور ، فدخل جارينشا في حالة كبيرة من الاكتئاب .لم يمض الكثير من الوقت ، حتى بدأ جارينشا في المعاناة من آلام بالركبة ، وبالفحص تبين أنه من شدة الاحتكاك بين عظام الفخذ وقصبة الساق ، حدث تآكل بالغضروف الموجود بينهما ، ومع تلك الظروف رفض جارينشا إجراء عملية جراحية ، وأدمن على تناول المخدرات والكحوليات .وفي عام 1966م تم استدعاؤه لمباريات المونديال ، والذي خرجت منه البرازيل من الدور الأول ، لتنتهي حياة جارينشا الكروية عند هذا الحد ، وظل جارينشا يعاني من الفقر المدقع ، حتى سقط ميتًا في أحد الأيام ، بعد أن قاد سيارته برفقة زوجته ووالدتها ، لتغيير الأجواء إلا أنه تسبب في وقوع حادث ، ماتت على إثره والدة زوجته ، فشعر بالعجز الشديد وألم به الاكتئاب الشديد مرة أخرى .عقب وفاة جارينشا ، انطلقت حشود الجماهير العاشقة له ، في البرازيل من أجل حضور جنازته ، وأثناء تواجد الجماهير وجدوا النادي ، قد غطى جثمان جارينشا بعلم النادي ، فثار غضبهم وأخرجوه ولفوه بعلم البرازيل ، وانطلقوا خلفه جميعًا ، يودعونه نحو مثواه الأخير ، بعدما تسبب النادي في كل ما حدث له من كوارث .