قصة العراقية عالية محمد

منذ #قصص نجاح

إن قصص التضحية والفداء لا تقتصر فقط على تضحية الأشخاص من أجل الأشخاص ، فهناك من ضحى من أجل إنقاذ التراث وقد حدث ذلك في فترة القصف على العراق ، وقبل الإيقاع بالرئيس الراحل صدام حسين ، فبعد إغراق مكتبة بغداد الشهيرة على يد المغول ، تنبأت بتلك المأساة العراقية عالية محمد باقر أمينة مكتبة البصرة .وخاطبت المسئولين جاهدة لنقل محتويات المكتبة لمكان أمن والحفاظ على هذا الإرث العظيم ولكن دون جدوى ، لم تستطع السيدة عالية ذات الخمسين عامًا أن تصمت أمام خطر وشيك ، ومع بداية الحرب على العراق في مطلع عام 2003م ، قامت عالية بنقل بعض الكتب إلى منزلها في الليل في سرية شديدة ، وبالفعل وصلت الحرب للبصرة واشتعلت النيران لتضيء ليلها بمدفعية الغزو البريطاني .فغادر موظفي الحكومة المكلفون بحماية المكتبة موقعهم وأصبحت المكتبة فريسة سهلة أمام كل من يودون القضاء على تاريخ البصرة ووجودها ، كما استعانت عالية بجارٍ لها يمتلك مطعم بجانبها ، وطلبت منه المساعدة في إخفاء بعض الكتب الهامة والنادرة ، فأخفت الكتب في ستائر وصناديق وقام العديد من الجيران بالوقوف إلى جانبها ، وجلب الكتب من على الرفوف .حتى يسهل نقلها عبر جدار يربط المكتبة بالمطعم ، وهناك تم إخفاء الكتب التي شملت مخطوطات نادرة منذ مئات السنين ، وكتب باللغة الإنجليزية والعربية ، والقرآن الكريم المدون بالأسبانية بالإضافة إلى سيرة سيدنا محمد التي يعود تاريخها إلى 1300 سنة ، وبهذه الطريقة تمكنت البصرية عالية من إنقاذ ما يقرب لـ 30 ألف كتاب هذا بالإضافة عدد من الدوريات .وبعد تسعة أيام فقد صدق حدس عالية حيث أحرقت المكتبة بالكامل ، ليتكرر نفس مشهد مكتبة بغداد العريقة ، ولكن تلك المرأة كانت الخسائر قليلة فقد استطاعت باقر إنقاذ أكثر من 70% من محتويات المكتبة ، وحينما أغار الجنود البريطانيين على السيد أنيس محمد صاحب المطعم ، لم يفتشوا المكان فلم يكن يخطر ببالهم أن مكتبة البصرة توجد بين ثنايا مطعمه البسيط .أما بالنسبة للسيدة علياء فقد وزعت الثلاثين ألف كتاب بين منزلها ومنزل أصدقائها بعد أن هدأت الأوضاع قليلًا ، وظلت الكتب محفوظة إلى أن تم إعادة بناء المكتبة وفتحها مرة أخرى في عام 2004م ، فقامت باقر بنقل الكتب مرة أخرى وإعادتها للمكتبة واستعادت معها منصبها مرة أخرى كأمينة للمكتبة .وقد استلهمت العديد من الدولة الغربية وعلى رأسها أمريكا من تجربة السيدة عالية محمد ، حيث قام العديد من الكتاب الغربيين بتدوين تلك التجربة في مجموعة قصص للأطفال ، ومنها كتاب مهمة علياء : إنقاذ كتب العراق لمارك ألان ستاماتي ، الذي صدر في هيئة قصة مصورة للأطفال ، وفيه تم سرد العديد من المعلومات عن نشأة وتاريخ المكتبات بالعراق .وهناك جانيت ونتر أيضًا التي أصدرت كتاب للأطفال تحت عنوان ” أمينة مكتبة البصرة ” The Librarain of Basra  ، وهو أيضًا كتاب موجه للأطفال لكن دون الطرق في تفاصيل الحرب وأحداثها ، وهكذا صارت السيدة العراقية عالية محمد رمزًا ومثلًا يحتذى به ليس في العراق فحسب ، ولكن في أمريكا وأوروبا ، وقد تم تكريمها بالبصرة بعد تقاعدها من العمل .واحتفى بها العالم فقد أنقذت تراثًا بأكمله ، ولولا ما فعلته تلك السيدة لضاع فكر العراق وعمرها ما أضاعته تلك الحرب الضارية ، ومازالت السيدة عالية حتى الآن تحظى بلقب البطلة الثقافية للعراق وهي تستحق هذا اللقب عن جدارة لأنها أمنت بالعلم فأمن في ظل وجودها .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك