أرسل الله عزّ وجل الأنبياء إلى شعوبِ الأرضِ كافةً لنشر رسالة التوحيد به والإيمان بعظمتِه التي تفوق كلّ شيء، فكان يبعث لكل أُمة رسولاً من بنيها يتحدث لغتَها ويعرف تاريخَها ليكون قادراً على إقناعهم بما لديه من أفكارٍ توحيديةٍ، وكان الرسل في بداية دعوتِهم يواجهون رفضاً حاداً من كبارِ قومهم، حيث كانوا يتهمونهم بالكذبِ، والشعوذةِ، والسحر، ورغم كلّ ذلك، كانوا يُصِرّون على نشرِ رسالةِ الله عز وجل و الدعوة للخير وحبّ الغير وغيرها من الأخلاق الإنسانيةِ السامية.
كان سيُدنا نوحٌ عليه السلامُ أحد الأنبياء المرسَلين الذين يدعون لأمرٍ موحدٍ مشتركٍ ألا وهوعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تُضر ولا تغني من جوع.
نَسَبُ سيدنا نوح
ذُكر في كتب التاريخ أنّ الاسم الكاملَ لسيدنا نوح هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ، وهو وهو إدريس بن يرد بن مهلائيل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام، وكانت مهنته النجارة، و ذُكر أيضاً أن وِلادَتَه كانت بعد قرنٍ تقريباً من وفاة النبي آدم عليه السلام، وذَكر ابن جريرٍ وغيره أن نوحاً يُعتبر أولَ رسولٍ بُعث إلى الأرض ليُخرج الناس من ضلالهم ومن عبادة الأصنام ويهديهم إلى توحيد الله عز وجل، وكان يُطلَقُ على قومه اسمَ بنو راسب.
قصة سيدنا نوح
ذُكرَت قصةُ سيدنا نوح في العديد من سور القرآن الكريم مثلَ: يونس، وهود، والأنبياء، والمؤمنون، وتَنُص آياتُ القرآن الكريم على أن نوحاً كان يتعجب من قومه ومن عبادتهم للأصنام التي يُوقِرونها ويطلبون منها إنزال المطر وحمايتهم من الصواعق والكوارث، فبدأ نوحٌ بمجادلتهم ودعوتهم ليتركوا هذه الضلالة ويوحدوا الله تعالى، ولكن َّ قومَه رفضوا دعوته ولم يصدّقوا رسالتَه الإلهية، فكيف يجرُؤ نجارٌ بسيطٌ فقيرٌعلى تحديهم و تحدي آلهتهم؟ وكانت النتيجة أنّهم أعرضوا عنه وعن دعوته واتّهموه بالساحر والمشعوذ، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان هناك فئة قليلة من قومِه من الفقراء والمستضعفين آمنوا به واستمعوا إلى وعظه ورسالته.
استمرّت دعوة سيدنا نوح لقومه 950 سنة لاقى فيها شتى أنواع العذاب والتنكيل من قومه ومن أقرب الناس له ألا وهم زوجته وابنه، وفي يوم من الأيام رفع نوح يدَيهِ إلى السماء ليدعوَ ربه وقال:
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا
[نوح:26ـ27]. فاستجاب له الله دعاءه وأمره أن يصنع سفينةً كبيرةً ويحمل عليها من كلّ جنس من الحيوانات ذكراً وأنثى، وكان بعض المؤمنين يساعدونَه في صناعة ألواح الخشب، ولكن المشركين لم يدَعوه وشأنه وظلوا يُضَيقون عليه ويَتهمونه بالجنون؛ لأنّه يصنع سفينةً في وسط الصحراء، فهم لم يكونوا على عِلمٍ بقدرة الله على صنع المعجزات، وأنّه قادرٌعلى إغراقهم جميعا دون أن يكون لهم حولٌ ولا قوة.
عندما حانَ أمر الله بإنقاذ المؤمنين من عذاب الكفار، أوحى لسيدنا نوحٍ بالمغادرة عندما يفور التنور بالماء، وبعد انتظارٍ طويلٍ وفي يوم من الأيام كانت السماءُ مليئةً بالغيوم السوداء وفار التنور بالماء وبدأت الأمطار تهطل بغزارة وتحقّقت معجزة الله تعالى، وبعد ذلك بدأ الناس يصعدون إلى السفينة التي كانت تنتظرهم لينجوا من الفيضان ومن الغرق المُحَتم، وصعد جميع المؤمنين إلا امرأة نوح وابنه فقد كانوا وثنيين يعبدون الأصنام، وظنّوا أنّهم سينجون من عذاب الله ولكن عذابَ الله كان حقاً على كلّ من أشرك به حيث قال عز وجل في سورة الأنبياء:
وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
[ الأنبياء& 76،77].