يعتبر الحج خامس أركان الإسلام، وواحداً من أهم المواسم التي تزور الأمة الإسلامية في شهر ذي الحجة من كل عام. يمتاز الحج بقداسة عالية، وبأهمية عظمى، سواءً على المستوى الروحي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو السياسي، فهو الموسم الذي يجمع ملايين المسلمين حول العالم، فيوحد بينهم، ويجعلهم وكأنهم على قلب رجل واحد.
يرجع الحج تاريخياً إلى عهود سالفة، وقرون ماضية، قبل ميلاد النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-، وقد أورد القرآن الكريم ملامح من قصة بداية الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة في العديد من المواضع، من بينها قوله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ). وفيما يلي تفاصيل أوفى عن هذا الموضوع.
النداء للحج للمرة الأولى
ترجع بداية فريضة الحج إلى رسول الله إبراهيم، وابنه النبي إسماعيل –عليهما السلام-، فقد ارتبطت هذه الفريضة المقدسة بهما بكل ما تحمله من تفاصيل، ومشاعر، وفروض يجب على الحاج تأديتها، فجزء من العبر المستفادة من تأدية هذه الفريضة يكمن في استذكار قصة إبراهيم وآله –عليهم السلام-.
أمر الله تعالى رسول الكريم إبراهيم بأن يأخذ زوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى الوادي الذي بنيت فيه مكة المكرمة فيما بعد، حيث كانت في ذلك الوقت أرضاً خالية لا زرع فيها ولا ماء، وقد امتثل إبراهيم –عليه السلام- من فوره لهذا الأمر الإلهي، ووضع عائلته هناك، وقد خلد القرآن الكريم دعاءه عندما همَّ بالرجوع.
قال تعالى:
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). وبعد أن عاد إبراهيم حدثت لهاجر وابنها إسماعيل عدة أحداث من بينها إقبال الناس عليهم والسكن حولهم، بعد خروج ماء زمزم من باطن الأرض.
بعد أن كبّر إسماعيل –عليه السلام- أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت الحرام، فباشرا من فورهما بتنفيذ ما أمرهما الله تعالى به، وعندما اكتملت الكعبة، وتمت، أمر الله تعالى رسوله الكريم إبراهيم بأن ينادي للناس في الحج، وأن يُعلِم الناس أنه أتم بناء بيت الله، وقد علَّم الله تعالى هذين النبيين الكريمين طريقة أداء مناسك الحج.
عندما بُعِث رسول الله محمد –صلى الله عليه وسلم- بالرسالة الخاتمة في الجزيرة العربية، أعيدت مكانة الحج؛ تلك العبادة المقدسة التي تذكر المسلمين بماضيهم، وبحياة خليل الرحمن وعائلته –عليهم السلام-، والتي تزيد من ارتباط الحاج بربه –عزَّ وجل-، فتعيده كيوم ولدته أمه.