بعثَ الله تعالى الأنبياءَ والرسل إلى الناس لدعوتِهم إلى عبادتِه وحدَه -عز وجل- وترك أيّ عباداتٍ أخرى، وقد كان -عزّ وجل- يبعث في كلّ قومٍ رسولاً منهم يعرف عاداتهم وأسلوب حياتِهم وبذلك يكونُ أقربَ إليهم، وأيّدهم بمعجزاتٍ ودلائلَ على صدْقِ نبوّتهم، ومن الأنبياء سيّدنا عيسى -عليه السلام-، فقد ورد في القرآن الكريم مولدُه ومعجزاتُه ودعوته، والشبهات التي أثارها أعداؤه حوله وصبره عليها وعلى أذى قومه. إنّ قصّة سيدنا عيسى تحتاجُ إلى المجلّدات لتدوينها ولكن سنأتي على ملخص لبعض الأحداث في حياته -عليه السلام-.
مولد سيدنا عيسى -عليه السلام-
وُلد سيدنا عيسى -عليه السلام- للسيدة مريم من غير أب، فقد كان كلمة الله تعالى خلْقَه كما خلق سيدنا آدم من غير زواجٍ، وهذا ليس بعظيمٍ على الله -عز وجل-، وقد صعُب الأمر على الكثير من الناس لأنّ سنة الله تعالى في التناسل والتكاثر بين البشر وجود الرجلِ والمرأة، ولكن كان سيدنا عيسى معجزةً من الله تعالى، قال -عز وجل-:
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون
[آل عمران، الآية: 59] وقال جل علاه في موضعٍ آخر:
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين
[آل عمران، الآية: 45]
عندما ولدته السيدة مريم حملته إلى قومِها فأخذوا يسألونَها عن الولد، ويذكّرونها بأمّها الفاضلة ووالدها الصالح فأشارت إلى الطفل، فاستغربوا كيف يُكلمون من كان في المهد صبيّاً، فأنطق الله تعالى سيدنا عيسى وأخبرهم بأنّه رسولُ الله إليهم، وليس كما يؤمنُ البعض بأنّه ابن الله والعياذ بالله، فالله تعالى وحده لا شريك له، بل هو نبيٌ من الله أوصاه بالصلاة، والصيام، والزكاة، وبر الوالدين، والتواضع مع العشيرة، وله يومٌ تنتهي فيه حياته كسائر البشر.
دعوة سيدنا عيسى -عليه السلام-
لم يؤمن مع سيّدنا عيسى سوى فئةً قليلةً أسماها الله تعالى الحواريّين؛ لأنّهم أخلصوا نيّاتهم إلى الله تعالى وطهروا قلوبَهم فأصبحوا كالثوب الأبيض الخالي من الدنس، ولبّوا نداء الحق ولم يخشوْا أحداً، وقد ذكر القرآن الكريم طلبهم من عيسى -عليه السلام- مائدةً من السماء؛ وذلك لزيادة إيمانهم وليس شكاً منهم بقدرته -عزّ وجل-، فأجابهم ربُّهم أنّه منزلٌ لهذه المائدةِ، ولكن مَن يكفر بعدها له عذابٌ أليمٌ.
ذكر القرآن الكريم حيلة اليهود الذين لم يؤمنوا مع سيّدنا عيسى، قال تعالى:
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين
[آل عمران، الآية: 54]، حيث وضعوا الخطّة لقتله -عليه السلام- ولكن الله تعالى نجّاه منهم.