أرسَل الله تعالى الأنبياء والرسل على فتراتٍ لإخراج الناس من الضلال، وكان الناس بعد موت النبي يعودون مرّةً أخرى للضلال، فيُرسل لهم عز وجل نبياً آخر، وهذا ما حصل مع النبي موسى عليه السلام؛ حيث أرسله الله تعالى لبني إسرائيل بعد ضلالهم عن الطريق وقد كانوا من قبل من الذين هداهم سيدنا يوسف عليه السلام.
قصّة مولد سيّدنا موسى عليه السلام وطفولته
كانت لسيّدنا موسى عليه السلام منذ ولادته قصةٌ غريبةٌ؛ فقد سمع الملك عن وجود نبوءة بين بني إسرائيل تشير إلى أنه سيولد طفلٌ لهم سيحطم عرش فرعون ويزيحه عنه، فأمر فرعون بقتل جميع الأطفال الذّكور الذين يولدون للتأكد من عدم بقاء الطفل النبوءة على قيد الحياة، وفعلاً تمّ له ذلك، ولكن أصبح أعداد الذكور من بني إسرائيل يتضاءل نظراً لموت كبار السن منهم وذبح الّذين يولدون، ووصل الأمر إلى فرعون فاقترح عليه مُستشاروه قتل الأولاد الذكور سنّةً وتركهم السنة التي تليها حفاظاً على قوم بني إسرائيل من الاندثار، واستجاب فرعون لهذه الفكرة، وحملت أمّ عيسى بولدها هارون وولدته في العام الذي لا يُقتل فيه الذكور فولدته بكل سلامٍ وأمان، ولكن حَملت بسيّدنا موسى عليه السلام في العام الذي يليه فخافت عليه من جنود فرعون فولدته بالسرّ وأرضعته، إلى أن جاءها أمر الله تعالى بوضعه في صندوقٍ خشبيّ ورميه في اليم فاستجابت أم موسى للأمر متوكّلةً على الله.
حمل موج النيل سيّدنا موسى عليه السلام في صندوقه إلى قصر فرعون، وعندما ذهبت جواري القصر لتعبئة المياه وجدن الصندوق وأحضرنه لامرأة فرعون التي كانت مختلفةً عن زوجها الظالم فقد كانت مؤمنةً ورحيمة ولكنّها حزينة لأنها لا تلد، فأمرت بفتح الصندوق وعندما شاهدت موسى أنزل الله تعالى محبته في قلبها، وطلبت من فرعون السماح لها بتربيته فسَمَح لها، ثمّ أمرت بإحضار المراضع لإرضاع الطفل إلّا أنّه رفضهم جميعاً إلى أن قيّد الله تعالى له أمه، فأعاده إليها مرّةً أخرى، وسمحت لها امرأة فرعون بإرضاعه في بيتها وتربيته إلى أنْ تتمّ الرضاعة، أعادت أم موسى موسى إلى قصر فرعون ليتربّى هناك، ولقي أعظم تربيةٍ وتعليمٍ، وعندما كبر موسى كان يعلم بأنّه ليس ابناً لفرعون وأنه واحدٌ من بني إسرائيل.
قصة هروب سيدنا موسى عليه السلام من المدينة
في يومٍ من الأيام كان موسى ماشياً في الطريق وشاهد رجلان يقتتلان فاستنجده الذي من شيعته فنصره بأن دَفَع الآخر عنه إلّا أنه مات، ولم يقصد موسى ذلك، وفي اليوم التالي وجد نفس الشخص الذي من شيعته يتقاتل مع رجلٍ آخر فعِلم أنّ الذي من شيعته هو المشاغب فنهره، فظنّ الرجل بأنه سيقتله كما فعل مع الآخر في الأمس، فذكّره بما حصل معه بالأمس، فهرب موسى خائفاً من بطش فرعون.
خرج موسى تائهاً لا يعلم أين يذهب وإنما إرادة الله هي التي كانت تُسيّره إلى أن وصل إلى مدين، فاستراح عند عينٍ عظيمةٍ وشاهد فتاتان بعيدتان عن العين تنتظران أن ينتهي الرّعاة من الماء لتحصلا على الماء فساعدهما، وعندما عادا إلى والدهما الشيخ الكبير قصّا عليه ما حدث فطلب أن يحضرا موسى له، وقال لموسى إنّه يَنوي تزويجه إحدى ابنتيه على أن يعمل لديه في رعي الغنم ثمانيَ سنوات، وإنْ أتمم عشر سنوات فمن كرمه.
بعد إتمام العهد أخذ موسى أهله عائداً إلى مصر وفي الطريق جاءه نداء الله تعالى بأمْر حمْل رسالة الدعوة إليه، ومن هنا بدأت رحلة موسى النبي عليه السلام في دعوة قومه.