الجريمة واحدة سواء أكانت قتل نفس واحدة ، أم عدد من الأشخاص ، فكلها ذات نتيجة واحدة وهي إزهاق روح بشرية ، لا يد للقاتل في خلقها حتى يزهقها بنفسه ، وديفيد بيركوفيتش David Richard Berkowitz هو أحد القتلة المتسلسلين ، ممن أزهقوا أرواحًا بريئة لإشباع لذة القتل والانتقام لديه ، وهذه قصته
نشأة بيركوفيتش: ولد ريتشارد ديفيد فالكو الشهير بديفيد ريتشارد بيركوفيتش في عام 1953م ، واشتهر فيما بعد عقب ارتكابه لجرائمه بابن سام ، وديفيد ابن لامرأة يهودية الأصل والمنشأ تسمى إليزابيث برودر ، كانت فقيرة وتزوجت من توني فالكو ولد ديفيد وهو أميركي إيطالي ، وذلك في عام 1936م
كانت العلاقة بين الأبوين متوترة للغاية ، مما دفع إليزابيث لإقامة علاقة حميمة مع أحد الأشخاص ، خاصة بعدما هجرها توني وتزوج من أخرى ، وعقب فترة من الوقت حملت إليزابيث بديفيد ، ولكنها منحته لقب فالكو نسبة إلى زوجها الأول توني
في غضون أيام قليلة من ولادته ، تركت إليزابيث ابنها ديفيد دون إبداء أية أسباب ، فتبناه زوجان يهوديان أميركيان هما بيرل وناثان بيركوفيتش من برونكس ، وكان الزوجان يعملان تجارًا للتجزئة ، في متاجر أجهزة الكمبيوتر بوسائل متواضعة ، ولا يمتلكان أطفالاً ، فقاموا بعكس ترتيب أسماء الصبي الأول والأوسط وأعطوه لقبهم الخاص ، وأقرا بأن ديفيد ريتشارد بيركوفيتش هو طفلهما الوحيد
كانت طفولة بيركوفيتش مضطربة إلى حد ما ، وقُدّر ذكائه بأنه أعلى من المتوسط ، إلا أنه فقد الاهتمام بالتعليم منذ سن مبكرة ، وكان لديه هوسًا بالسرقة وإشعال الحرائق ، مما عكس سلوكًا عدوانيًا كان يجب علاجه ، حيث انتبه الجيران بأن بيركوفيتش يمارس التنمر ضد الغير ، مما دفع والديه إلى استشارة طبيبًا نفسيًا لسوء سلوكه ، إلا أن الأمر لم يؤخذ على محمل الجدية ، ولم يُذكر في سجلاته المدرسية أيضًا
توفيت والدة بيركوفيتش بالتبني بسرطان الثدي ، وكان بيركوفيتش في هذا الوقت يبلغ من العمر أربعة عشر عامًا ، فتحولت حياته إلى الاضطراب بشكل أكبر ، خاصة أنه لم يكن يحب والدته بالتبني
وعندما بلغ بيركوفيتش السابعة عشرة من عمره ، التحق بالجيش الأميركي ، وخدم في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ، وعقب تخرّجه عام 1974م عثر على والدته إليزابيث مرة أخرى ، التي أخبرته بأنه ابن غير شرعي ، هذا الخبر الذي تسبب في اضطراب كبير بحايته كلها ، ووصف عالم الأنثروبولوجيا الشرعي إليوت ليتون ، بأن هذا الخبر تحديدًا بشأن تبنيه ومولده غير الشرعي ، هو ما تسبب لبيركوفيتش بالأزمة الرئيسة في حياته ، ودمر شعوره بهويته وجعله ينتقص من نفسه ويشعر بدونيته ، ولعل هذا هو أحد الأسباب ، في نقمته على من حوله والمجتمع فيما بعد
بداية سلسلة الجرائم : في منتصف السبعينيات ، بدأ بيركوفيتش بارتكاب جرائم عنيفة ، وكانت أولى محاولات القتل التي ارتكبها ، باستخدام السكين والتي فشلت ، فقام بعدها بيركوفيتش بشراء مسدسًا ، حيث تدرب على استخدام السلاح إبان فترة خدمته بالجيش ، ليبدأ في ارتكاب سلسلة من الجرائم ، تسببت في هلع السكان في كل من ؛ أحياء نيويورك في برونكس ، كوينز ، بروكلين
كان بيركوفيتش ينجذب بشدة للفتيات الشابات نوعًا ما ، وكان الأكثر جذبًا له هم الفتيات اللاتي يمتلكن شعورًا طويلة داكنة اللون ، وقتل بيركوفيتش ستة فتيات وفلتت من قبضته اثنتين ، وكانت جرائمه قد ارتكبت ضد الفتيات ، أثناء تواجدهن بالسيارات برفقة أصدقائهن ، وكان بيركوفيتش يعود بعد قليل إلى موقع جريمته ، ليستمتع بمشاهدة ما فعل
وقع أول إطلاق للنار لابن سام ، في منطقة بيلهام باي في برونكس ، عندما هاجم كلاً من دونا لوريا 18 عامًا ، وصديقتها جودي فالنتي 19 عامًا ، اللتان كانتا تجلسان في أولدسموبيل في فالنتي
وعقب مغادرة المكان ، لاحظت لوريا رجلاً يقترب بسرعة من السيارة ، عندما فتحت الباب وهمت بالركوب ، مما أصابها بالدهشة والغضب من ظهور الرجل المفاجئ ، فوقفت لتسأله عم يريد ، إلا أنه فجأة جلس على ركبتيه وأمسك مسدسه بكلتا يديه ، وأرداها قتيلة برصاصة واحدة على الفور
وأصاب فالنتي برصاصة في فخذها ولكنها نجت عكس صديقتها ، إلا أنها لم تستطع التعرف على القاتل ووصفته بأنه ذكر أبيض مجعد الشعر ، وكرر هذا الوصف والد لوريا ، الذي ادعى أنه رأى رجلًا مشابهًا جالسًا في سيارة صفراء قابعة في مكان قريب ، أعطى الجيران تقارير مؤكدة للشرطة ، بأن سيارة صغيرة صفراء غير مألوفة للمنطقة ، كانت تجوب المكان لساعات قبل إطلاق النار
توالت سلسة الجرائم التي ارتكبها بيركوفيتش ، حتى جريمة ضد شاب وفتاة هما عيسو و سورياني ، حيث وجد رجال الشرطة رسالة مكتوبة بخط اليد ، ووجهت إلى النقيب جوزيف بوريللي من شرطة نيويورك ، والتي كشف من خلالها بيركوفيتش لأول مرة عن لقب ابن سام
وصفت الصحف ووسائل الإعلام القاتل بأنه ، القاتل ذو العيار 0
44 نظرًا لسلاح ارتكابه للجرائم ، في البداية تم حجب الرسالة من الجمهور ، ولكن تم الكشف عن بعض محتوياتها إلى الصحافة ، وسرعان ما حل اسم ابن سام محل الاسم القديم
كانت رسائل بيركوفيتش تستهزيء برجال الشرطة ، وتعد بمزيد من الجرائم ، هذه الجرائم التي أرعبت سكان نيويورك ، وحققت شهرة في جميع أنحاء العالم
سقوط المجرم : في ليلة 10 أغسطس عام 1977م ، تم احتجاز بيركوفيتش من قبل محققين من شرطة مدينة نيويورك أمام مبنى يونكرز السكني ، وذلك عقب إطلاقه النار على زوجين يجلسان داخل سيارتهما ، ويتبادلان القبلات فأطلق عليهما النيران ، ولكن إفادات شهود العيان دفعت رجال الشرطة بمراجعة تذاكر المرور للسيارات العابرة في هذا الوقت ، وانطبقت المواصفات لشهود العيان مع سيارة بيركوفيتش ومواصفاته ، فتم اللحاق به وألقي القبض عليه أثناء خروجه من منزله في طريقه لارتكاب جريمة جديدة ! وتمت إدانته في ثماني حوادث إطلاق نار ، اعترف بيركوفيتش بارتكابهم جميعًا بالفعل ، حيث ادعى في البداية أنه ينفذ أوامر الشيطان ، وعلى الرغم من تماسكه وبعد الفحص الطبي ، تبين أن بيركوفيتش يعاني من الاختلال العقلي ، حيث أعاد اعترافه بشأن خدمته للشيطان بأنها من محض عقله فقط
وأدت التغطية الإعلامية لوقائع محاكمة بيركوفيتش ، إلى منحه نوعًا من الشهرة ، التي أشار أحد المراقبين إلى أنه يستمتع بها ، وردًا على ذلك ، سن المجلس التشريعي لولاية نيويورك قوانين قانونية جديدة ، معروفة شعبيًا باسم قوانين ابن سام ، هدفت إلى منع المجرمين من الاستفادة ماليا من الدعاية التي فرضتها جرائمهم ، وعلى الرغم من التعديلات والتحديات القانونية المختلفة ، فقد ظلت القوانين سارية في نيويورك ، وتم سن قوانين مماثلة في العديد من الولايات الأخرى
وقد تم الحكم على بيركوفيتش بالسجن منذ اعتقاله ، حيث واجه ستة أحكام بالسجن مدى الحياة
خلال منتصف التسعينات ، قام بتعديل اعترافه بالادعاء بأنه كان عضوًا في جماعة عبادة شيطانية عنيفة ، في محاولة منه لوصف الأحداث على أنها جرائم طقوسية ، ولكن لم يلتفت إلى أقواله