تمر بنا في الحياة قيٌم كثيرة منها ما نقتبسه ومنها ما لا نلتفت إليه ، وقد يفوتنا الكثير إن لم نغرس بأبنائنا أفضل القيم وأروع الأخلاق ، فالطفل ما هو إلا نبته نزرعها ونجني ثمارها ، وتلك القصة تعلمنا قيمًا كفعل الخير وعمل المعروف ، وأنه ما نصنعه هو ما نجنيه
يُحكى أنه كان هناك امرأة ميسورة الحال تصنع الخبز لأسرتها كل يوم ، وكانت دائمًا ما تصنع خبزًا إضافيا لأي عابر سبيل جائع يمر بها ، واعتادت المرأة أن تضع رغيف من الخبز على شرفة النافذة لأي مار ليأخذه ، وكان كل يوم يمر ببابها رجل فقير أحدب ، فيمد يده ويأخذ الرغيف وبدلًا من يظهر امتنانه لكرم المرأة كان يدمدم ببعض الكلمات ويقول : الشر الذي تقدمه يبقى معك ، والخير الذي تقدمه يعود إليك
وظل الوضع على هذا الحال كل يوم يمر الأحدب ويأخذ رغيف الخبز ويدمدم بنفس الكلمات : الشر الذي تقدمه يبقى معك ، والخير الذي تقدمه يعود إليك ! ، لم تفهم المرأة لما يفعل الرجل هذا ، وبدأت بالشعور بالضيق لعدم إظهاره بعض الامتنان أو العرفان بالجميل والمعروف الذي تصنعه
وأخذت تحدث نفسها قائلة : في كل يوم يمر الأحدب يردد نفس الجملة وينصرف ، ترى ماذا يقصد بكلماته تلك ؟ ، ولما بلغ الضيق منها مبلغه أضمرت في نفسها أمرًا وقررت أن تنفذه ، وقالت : سوف أتخلص من ذلك الرجل الذي أحسنت إليه ولكنه لم يقابل المعروف بالامتنان ، فصنعت الخبز الإضافي كعادتها ، ولكنها تلك المرة وضعت به بعض السمّ وكانت على وشك أن تضعه على النافذة
ولكن بدأت يدها في الارتجاف وألقت بالرغيف بعيدًا عنها ليحترق في النار ، وقالت لنفسها : ما هذا الذي أصنعه ؟ وقامت بعمل رغيف خبز آخر ووضعته على النافذة ، ولما جاء الأحدب كعادته أخذ الرغيف وانصرف وهو يدمدم بنفس الكلمات : الشر الذي تقدمه يبقى معك ، والخير الذي تقدمه يعود إليك !غادر الرجل بسلام وهو لا يدرك مدى الصراع الذي كان بخاطر المرأة ، وبعد ذلك الموقف ظلت المرأة على حالها تصنع الخبز كل يوم ، وكانت تقوم بالدعاء لولدها الذي غاب بعيدًا بحثًا عن مستقبله ، ولم يصل لها أي أنباء عنه لشهور عديدة ، وكانت كل يوم تدعو الله أن يردها لها سالمًا ، وفي ذلك اليوم الذي تخلصت فيه من رغيف الخبز المسموم دق جرس الباب مساء
وحينما فتحته المرأة اندهشت لرؤية ابنها واقفًا بالباب ، كان وجهه شاحبًا يبدو عليه أمارات التعب والإرهاق وملابسه مزرية ممزقة ، ويبدو عليه الجوع والظمأ ولما رأى أمه ارتمى بحضنها وهو يقول : إنها لمعجزة وجودي معك هنا الآن ، فعلى مسافة أميال فقط من هنا كنت أشعر بالإعياء الشديد وأشرف على الموت لولا مرور رجل أحدب بجواري ، ولما رآني على هذا الحال أعطاني رغيف خبز كامل ، وقال له أنه طعام يومه ولكنه سيعطيني إياه لأن حاجتي اكبر كثيرًا من حاجته
وبمجرد أن سمعت الأم هذا الكلام شحب وجهها وظهر الرعب عليه ، واستندت بظهرها على الباب خوفًا من السقوط وتذكرت الرغيف المسموم الذي صنعته للأحدب صباح اليوم ، فلو أنها تتخلص منه في النار لكان ولدها هو الذي أكله وفقد حياته ! حينها فقط أدركت المرأة معنى كلام الأحدب : الشر الذي تقدمه يبقى معك ، والخير الذي تقدمه يعود إليك