السحر الأسود، وهو الاستعانة بالشياطين لتلقي وساوسها في أذهان الناس (المراد سحرهم) فيتخيلون أشياء على غير حقيقتها. فقد يرون الحبال والعصي كأنها أفاعي تسعى. وقد تُسبب لهم مرضاً نفسياً. وقد يتسبب هذا أيضاً بالتفريق بين المرء وزوجه. وقد يتوهم المسحور أموراً لم تحصل ولم يفعلها.
وقد يتوهم كذلك آلاماً شديدة رغم عدم وجود أي ألم أو مرض عضوي، وهو ما يسميه الأطباء بالمرض النفسي، وهو يؤدي في حالات قليلة إلى تأثيرات عضوية مادية بسبب الوهم النفسي.
وهذا هو السحر المنهي عنه في شرائع الأنبياء كلهم. وقد أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة والمعتزلة، أما أكابر الفلاسفة فإنهم ما أنكروا القول به إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية، سواء قصدوا منها الجن، أم أرواح الأموات (أي ما يسميه الغربيون بالأرواح الشريرة).
إلا أن الاستعانة بأرواح الأموات غير ممكن. فالروح لها في عالم البرزخ ما يشغلها عنا. ولكن الشياطين (أي كفار الجن) كثيراً ما يزعمون أنهم أرواح الأموات، كما يحصل للقبوريين المستغيثين بقبور الأولياء. حيث تكلمهم الشياطين بصوت ذلك الولي لتلبس عليهم دينهم.
ويكون استدعاء الشياطين عادة عن طريق تعويذات معينة، يعرفها السحرة على قدر معرفتهم. وهناك كتب مطبوعة موجودة في الأسواق، وبعضها –للأسف الشديد– يباع أمام المساجد المشهورة! وقد يكون السحر للاستعانة بالجن لمعرفة مكان مسروقات مثلاً أو لمعرفة الغيب. ويسمى هذا بضرب المندل. وهو حرام كذلك.
هذا ولا يكون السحر إلا تخيلات وأوهام يلقيها الساحر. قال الله تعالى: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ [الأعراف: 66] يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى. وقال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} . فهي لم تسعَ قط، لكن الناس تخيلوا أنها تسعى بتأثير السحر.
وقد زعِم المشركون أن السحر هو حقيقة وليس مجرد تخيلات. أي زعموا أن معجزات الأنبياء هي من السحر. وهذا كذب لأن كل المعجزات محسوسة حقيقية، بينما السحر لا يكون إلا وهماً كما تقدم تعريفه. فلذلك عندما رأى السحرة موسى كيف أن الأفعى قد ابتلعت حبالهم وعصيهم على وجه الحقيقة، عرفوا أن هذا نبي حقاً وليس بساحر كما ظنوا أول الأمر. لأن الساحر –مهما بلغت مهارته– لا يمكنه قلب حقيقة الأشياء. وهذا شيء يبدو أنه لم يفهمه فرعون وجنوده.
وكذلك زعم اليهود أن السحر حقيقة. وزعموا أن سليمان –عليه السلام– كان ملكاً ولم يكن نبياً. وأما تسخير الجن والطير والريح والقطر له وكثير من معجزاته ومن مُلكه الذي لم يؤت مثله أحد من العالمين، كل ذلك زعم اليهود أنه سحر وليس من المعجزات.
وزعموا أن أحد الشياطين تحايل عليه وأخذ خاتمه، وبذلك سيطر على ملكه كله وصار يحكم بأمره ويأتي زوجاته. وهذا كله من خرافاتهم قاتلهم الله. فإن تلك المعجزات الظاهرة يستحيل أن تكون سحراً، لأن السحر ليس إلا إيهام الناس بشيء لم يحدث. ولما كانت معجزات سليمان -عليه السلام– من المحسوسات التي يستحيل إنكارها، كانت ولا بد من المعجزات التي لا يقدر عليها إلا الأنبياء، ويستحيل أن تكون سحراً.