كانت مايا تحاول النوم ليلا في سريرها بعدما عادت من عند والدتها...
لم تكن قادرة على النوم وشعور الخوف يسيطر عليها...
الخوف من المجهول، الخوف من رجل يثير جميع المخاوف الكامنة لديها...
سمعت صوت باب غرفتها يفتح فأغمضت عينيها مدعية النوم لتشعر به يقترب منها...
يجلس بجانبها متأملا إياها بملامح مستكينة، ثم ما لبث ان قرب وجهه من وجهها وهمس لها بصوت خافت سمعه:
- عارف اللي قلته صعب، عارف انك صعب تتقبليني بعد اللي عرفتيه عني، بس انا مش جاني، انا ضحية بردوا، جايز اكون اذيتك كتير وانتي ملكيش ذنب بكل اللي حصل، بس انا كنت بعمل كده من حبي فيكي، ايوه انا بحبك، بعترف قدامك دلوقتي وانا متأكد انك مش نايمة وسامعاني، انا عمري مفكرت احب بعدها، ولا فكرت أني هرجع أعيش من تاني، لحد ما دخلتي حياتي ودنيتي، ساعتها فهمت انوا الحياة بتديني فرصة جديدة، بحبك يا مايا، والله بحبك ونفسي تحبيني...
اخذ جسد مايا يرتجف لا اراديا عندما سمعت ما قاله كريم وأخذت الدموع تهطل من عينيها بغزارة، شعر هو بنحيبها المتقطع فأثر أن يتركها قليلا لكن ما إن هم بالتحرك بعيدا عنها حتى فوجئ بها تمسك كف يده وتعتدل في جلستها لتهمس من بين بكائها:
- انا اسفة...
اقترب منها ممسكا وجهها الذي يدنو نحو الاسفل بكفي يديه متسائلا بقلق:
- بتعتذري ليه دلوقتي؟!
رفعت عينيها الباكيتين نحوه وهتفت بصوت مبحوح:
- اسفة عشان مسمعتكش، عشان مقدرتش اوقف جمبك، واسفة لاني مش قادرة اسامحك، انا حقيقي مش عارفة اغفرلك اللي عملته، انت اذيتني دمرتني، وانا مش هعرف اغفر كل اللي عملته، بجد ده مش بإيدي...
احتضن كريم وجهها الباكي بين كفيه ثم هتف بها بنبرة اجشة:
- انا عارف اني اذيتك جامد، عملت حاجات كتير اذتك ودايقتك، وعارف اني مليش عذر باللي عملته، بس انا فعلا ندمان على كل حاجة عملتها، ونفسي تغفريلي كل اللي عملته ونبتدي من اول وجديد ..
- تفتكر اني هقدر اغفر ليك انك اتهمتني بشرفي اكتر من مرة، انك اشترتني من سعد بفلوسك وفضلت تعايرني بده، لو انت مكاني هتقدر تسامح؟!
اخفض كريم رأسه فهو لا يملك الاجابة على سؤالها او بالأحرى يملك اجابه لا تناسبه...
ابتسمت مايا بمرارة وقالت:
- شفت انوا صعب، صعب اوي...
رفع رأسه نحوها وقال:
- بس مش مستحيل...
- قصدك ايه؟!
سألته بنبرة متعبة ليهتف بإصرار:
- قصدي انك ممكن تسامحيني، لو حبيتني...
كان كأنه يستنجدها ان تحبه، أن تسامحه، بهتت ملامحها كليا ولم تعرف ماذا تقول، هل يطلب الحب منها؟! هل يجرؤ على ذلك؟!
تشدق جانب فمها بإبتسامة هازئة قبل ان تهتف ببرود وهي تحرر وجهها من كفيه:
- وتفتكر الحب هيجي بالسهولة دي؟!
- وليه لا ..؟! الحب ممكن يجي فجأة، يجي بشكل احنا مش متوقعيه...
كان يتحدث عن الحب ببساطة فاجئتها هي شخصيا بينما لفتتها جملته الاخيرةة:
- زي ما حبيتك فجأة وبدون تخطيط...
صمتت ولم تعرف ماذا تقول اما هو فأكمل بنبرة حارة:
- انا هفضل وراكي لحد ما تحبيني، مش هسيبك تضيعي مني ابدا، عارفة ليه؟! لأنك قدري، انتي قدري اللي لازم اتمسك بيه...
شردت مايا في كلماته وشعور بالخوف والضيق ملأ صدرها...
في صباح اليوم التالي...
استيقظت مايا من نومها بعد ليلة طويلة قضت اغلبها تفكر بحديث كريم وما قاله...
كيف كان واثقا من مشاعره نحوها ..؟!
وكيف اعترف بحبها بهذه السهولة؟!
هل انقلبت الحكاية الان؟!
هل ستصبح هي شريرة الحكاية؟!
نهضت من فوق فراشها وتوجهت خارج الغرفة لتجده نائما بسلام على الكنبة في صالة الجلوس...
اقتربت منه وتأملته بملامح باردة، كان يبدو مريبا حتى وهو نائم، هذا الرجل يسبب لها الكثير من الفوضى داخلها، ولكم حاولت ترتيب هذه الفوضى لكن بلا فائدة...
اتجهت نحو المطبخ وقررت ان تعد الافطار كأي زوجة اصيلة، ثم توقظ زوجها ليتناول طعامه معها...
وبالفعل اعدت وجبة الافطار وذهبت لتوقظه، استيقظ كريم على صوتها ليرسم على شفتيه ابتسامة خافتة قبل ان يجرها نحوه ويطبع قبلة خفيفة على شفتيها...
- دي صباح الخير اللي انا مستنيها...
كسا الاحمرار وجنتيها كالعادة اما كريم فنهض من مكانه واتجه نحو الحمام...
خرج من الحمام بعد دقائق وهوو يجفف وجهه ليتجه نحو مايا الجالسة على مائدة الطعام .. .
جلس بجانبها واخذ يتناول طعامه حينما تحدثت مايا قائلة:
- ممكن أسالك سؤال ..؟!
اجابها برقة لا تليق به:
- طبعا...
تنفست مايا بعمق قبل ان تسأله بتردد:
- هو انت ليه اعترفتلي بحبك بالسهولة دي بعد ما كنت شايفني شخصية بشعة وعاهرة...
قاطعها بسرعة:
- انا عمري مشفتك كده، جايز اكون بينت ليكي اني شايفك كده، بس فالحقيقة عمري مفكرت بيكي كده، يمكن عشان انا زمان اديت كل مشاعري لجوليا، فخفت اديكي مشاعري واظهرها تستغليها...
هاهو يأتي على ذكر تلك المرأة من جديد، وهاهي تغضب بلا سبب واضح من جديد...
حاولت اخفاء غضبها وهي تسأله بعدها:
- طب وايه اللي تغير دلوقتي عشان تظهرلي مشاعرك؟!
اجابها بعد صمت قصير تبعه تنهيدة طويلة:
- الخوف، خفت اني اخسرك، انا مش مستعد اخسرك يا مايا، مش مستعد ابدا...
تناولت مايا لقمة صغيرة داخل فمها بينما عقلها اخذ يفكر في كلمات كريم رغما عنها وسؤال ملح يتكرر داخل ذنها هل سيخسرها كريم يوما؟!
وقفت مايا امام فيلا عائلة كريم وهي تشعر بالحرج الشديد، لقد اتصل بها كريم خلال عمله وأخبرها ان والدته تدعوها للغداء حتى يتحدثا بشأن تفاصيل الزفاف، في الواقع هي ممتنة لوالدة كريم كونها فكرت في أن تأخذ رأيها بتفاصيل هذا الزفاف، لكنها تشعر بالحرج والقلق كلما تحدثت معها...
بكل الاحوال هي لم تكن سيئة كما تخيلت، بل على الاقل هي افضل مما توقعت بكثير...
فتحت الباب وطلت الخادمة خلفه لترحب بها وتخبرها ان السيدة منى تنتظرها في صالة الجلوس...
سارت مايا نحوها وهي تحمل باقة ورود غالية لتجد منى في اتتظارها والتي رحبت واستقبلتها بإبتسمة واسعة قبل ان يجلسا سويا ويتحدثان بشأن تفاصيل الزفاف...
كان كريم يتابع عمله بتركيز شديد في مكتبه الخاص في مركز الشرطة حينما فتح الباب ودلفت كارما منه...
انتقض في مكانه ما ان راها ثم قال بسرعة:
- كارما، انتي بتعملي ايه هنا؟!
ابتسمت كارما وهي تقترب منه وتقول:
- وحشتني قلت اجي اشوفك...
كريم بعدم تصديق:
- هنا فالقسم...
اومأ برأسها وهي تتأمل المكان حولها بملامح فضولية قبل ان تهتف بحب:
- مكان شغلك حلو اوي...
رد كريم بإقتضاب:
- ميرسي...
- كريم ممكن اعزمك عالغدا...
لعق كريم شفتيه وقال:
- في الحقيقة انا كنت ناوي اتغدى مع العيلة النهاردة...
- اووه للاسف...
قالتها كارما باسف حقيقي ليشعر كريم بالاحراج فيقول:
- ايه رأيك تتغدي معانا؟!
كارما بخجل:
- مش حابة ازعجكم...
ابتسم كريم مجاملة وقال:
- مفيش اي ازعاج، ماما هتنبسط بيكي اوي...
- اذا كان كده ماشي...
اوما كريم برأسه قبل ان يحمل مفاتيح سيارته ويخبر كارما ان يتجها سويا الى منزله...
يتبع....