حياه المقابر حياه مليئة بالرعب والخوف , خصوصا في فترة الليل , لكن فارس تعود على هذه الحياة المخيفة بعد موت أبويه , فقد مات أبوه أولا ثم ماتت أمه بعد عدة أشهر , فقرر عدم مفارقتهم أبدا , ومرت السنين ودارت الأيام وفارس يجلس عند المدفن لا يتحرك أبدا . طالت فتره جلوسه , وبسبب بكاءه الذي لم ينقطع وحزنه الدائم أصابه الشلل في إحدى رجليه .
ومع هذه المدة الطويلة التي مرت كان فارس لا يعرف غير صديق واحد فقط في حياته هو عم سليمان الترابي , وهو الرجل العجوز الذي عطف على فارس عندما عرف ما به وتعود على النوم إلى جانبه والعمل معه أيضا في حياه المقابر والأموات . ومرت الأيام والحكايات العجيبة من عم سليمان لـ فارس و أصبح فارس نسخه من عم سليمان .
حتى بعد موت عم سليمان هو الذي مسك مكانه في حراسه المدافن , ولم يقف عجز فارس وكرسيه المتحرك عن العمل في حياه المقابر كما أوصاه عم سليمان على رعاية الأموات وانتشرت قصته في المنطقة التي يعيش فيها .. عن يتمه وحزنه على والديه .
وفى إحدى الليالي جلس فارس بعد العشاء يقرا جزء من القران كما تعود , لكن قبل أن يبدأ تذكر أن الباب الرئيسي للمقابر مفتوحة فنزل من سريره وذهب كي يغلق الباب , وعند إغلاقه الباب وجد امرأة عجوز تأتى وفى يديها صندوق خشب . قالت له يا فارس ممكن تدفن هذا الصندوق ! .. فقال فارس النهار له عنين يا امي .. لا يمكن الدفن ليلا .
فقالت العجوز لا يمكنني الانتظار حتى النهار , يجب دفنه الآن , فتعجب فارس من إصرارها وتساءل لماذا الآن؟ .. وماذا يوجد في هذا الصندوق ؟ ...
فقالت العجوز بارتباك : هذا .. هذا .. ابن أبنتي , لقد مات منذ ساعات قلية وهى تلده .
ثم بكت العجوز بكاء شديد وقالت يا فارس أرجوك ادفنه الآن , فرق قلب فارس لبكاء العجوز .. ثم قال لها عنك يا امي هاتى الصندوق احمله على رجلي .. وعندما حمل الصندوق وجده خفيف جدا فتعجب وقال : هذا الطفل وزنه خفيف جدا ! ..
فنظرت له العجوز في خبث وقالت : أصل أمه كانت ضعيفه مش بتاكل كتير .
وحفر فارس للصندوق في الأرض حفره صغيره بجانب إحدى المقابر ..ثم وضع الصندوق في الحفرة ورمى عليه التراب ورش الماء ثم قراء بعض السور من القران وبعد ذلك غادرت العجوز وأغلق فارس باب المدافن وراءها سريعا قبل أن يأتي احد آخر لأنه كان يشعر بنعاس شديد .
وفى النوم حلم فارس بعم سليمان يأتي إليه ويقول له معاتبا : لماذا فعلت هذا ؟ .. ويصرخ في وجهه بصوت عالي . فأستيقظ فارس من النوم مفزوعا ... وبدا الحلم يتكرر كل يوم ويستيقظ فارس مفزوعا .. لكن في آخر مرة لم يفزع فارس عندما استيقظ بل بدا يفكر لماذا يقول لي عم سليمان هذا الكلام كل يوم ؟ .
وفى احد الأيام بعد صلاة الفجر حلم فارس بعم سليمان وهو يقول له اكسر الصندوق لا تؤذي احد يا فارس , ليس هذا هو ما علمتك إياه , ادفع الأذى واكسر الصندوق .. احرق الصندوق يا فارس ..
وفزع فارس من النوم ووجهه احمر يتصبب عرقا , ثم هدأ قليلا وبدأ يستعيذ من الشيطان وتذكر كلام عم سليمان وما قاله عن الصندوق .. لكن أي صندوق يقصد ؟ .. وما الأذى الذي يقصده عم سليمان ؟ .. ثم ركز قليلا وبدء بالتذكر وقال أكيد الصندوق الصغير الذي دفنته ليلا للمرأة العجوز .. كان قلبي حاسس ان الصندوق في حاجه .
ثم انزل قدميه من على السرير سريعا , ونسي في استعجاله الشلل الذي بقدميه , لكن عندما نزل من السرير وجد نفسه يقف على قدميه , وعندما وقف على قدميه أصبح في ذهول تام وبدء بالتنطيط على قدميه فرحا , وقد أنسته فرحته الصندوق .. ثم ذهب كي يتوضأ ويصلى ركعتين شكرا لله على شفاء قدميه .
وبعد الصلاة ذهب لكي يرى ما بداخل الصندوق فحفر الحفرة التي دفنها فيه ثم اخرج الصندوق وفتحه .. واندهش عندما رأى ما بداخل الصندوق .. إذ لم يجد طفلا صفيرا كما قالت له العجوز حينها .. بل وجد عروستين لعبه من القماش ملطختين بالطين , وجسم العروستين بهما الكثير من الدبابيس , والى جانبهما أوراق مطبقة وبعض الشجر , وكان الصندوق تنبعث منه رائحة لا يقدر أن يطيقها احد ..
فارس قام بفك العروستين وهو يردد بعض الأدعية ويقرأ بعض صور القران حتى فك كل شيء ثم احرقه كله ..
وبعد مرور أسبوع جاءت العجوز مره أخرى إلى فارس كي تسال عن الصندوق , وبعد صلاة الظهر دخلت العجوز المقابر وقابلت فارس وقالت له أريد أن أرى الصندوق الذي جئت به هنا ليلا وطلبت منك أن تدفنه . فقال فارس هو أنتي صاحبة هذا الصندوق .. فقالت نعم أنا .. لماذا؟
فقال فارس : هذا صندوق الشؤم والسعد . فاستغربت العجوز قوله .
فقال موضحا : هذا العمل المؤذي الذي فعلتيه كان سببا في شفاء قدمي لكنه كان بالتأكيد شؤما لمن معمول له العمل .. لكن من الجيد انك أتيتِ لأني سوف ابلغ عنك الشرطة حالا إذا لم تقولي لمن هذا العمل أيتها المرأة الخبيثة ..
فبكت العجوز وقالت سوف احكي لك قصتي لكن أرجوك لا تبلغ الشرطة ..
العجوز قالت : في يوم تقدم لخطبه ابنتي رجل غنى , ونحن "ولايه" .. فوالدها مات وهى صغيرة , وعندما تقدم هذا الرجل إلى خطبتها سرعان ما وافقت أنا أما هي فلم توافق وقالت لي إنها تحب شخص آخر وسيتقدم لخطبتها . فقلت حاضر أشوف الثاني ثم احكم واختار ..
وبالفعل أتى الشخص الثاني وكان شابا وسيما طيبا لكنه فقير .. كان لا يملك شيء وفي بداية حياته , وكل ما يملكه هو حب ابنتي وشقة صغيرة تركها له والديه بعد موتهما .. وسرعان ما رفضته طبعا لأني كنت أصبو إلى الغنى ولا حاجة لي بالفقير ليفقرني فوق فقري .
لكن ابنتي لم تسمع كلامي حتى بعد أن تمت خطبتها على الرجل الغني , فهي لم تبعد عن ذلك الشاب الفقير وظلت تحبه . فذهبت إلى شيخ كي أحكى له عله يجد لي حلا لمشكلتي . فقال الشيخ خذي هذا الصندوق وادفنيه في المقابر ثم ارجعي لي مرة أخرى . ففعلت كما طلب مني .
ومنذ ذلك الحين لم تر ابنتي حبيبها الشاب أبدا كما طلبت منها . وتزوجت من الرجل الغني الذي كان يحبها وهي لا تطيقه . ثم منذ حوالي يومان أو أكثر لاحظت أن ابنتي عادت تكلم حبيبها الشاب من وراء زوجها وتقابله بالخفاء ويأتي إلى بيتها , فذهبت إلى الشيخ مرة أخرى , فقال لي اذهبي واطمئني على ما بداخل الصندوق , وها أنا قد جئت ..
فقال فارس أيتها العجوز ما فعلتيه مع ابنتك خطأ لأنكِ كان يجب أن تزوجيها ممن تريد وتهوى وتكون سعيدة معه وليس ما تريده أنتي ويجب عليك تصحيح خطأكِ بالعقل الذي أعطاه الله لكِ .. لا بالذهاب إلى السحرة والدجالين كي تخربي على ابنتك حياتها .. اذهبي وصححي أخطاءكِ وصلي وتوبي إلى الله كي يغفر لكِ هذا الذنب .