إذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ والنفسُ داعيةٌ إلى العصيانِ ، فاستحي من نظرِ الإلهِ وقل لها إن الذي خلق الظلامَ يراني ، إنها قصة لقاضي مكة في زمن من أزمنة السلف الصالح عبيد بن عمير رضي الله عنه ورحمه ، كان رجلٌ حسن الوجه ، جميل الأخلاق والإيمان ظاهر على محياه .وفي بيت من بيوت مكة كانت هناك امرأة تفتخر بحسنها وجمالها ، والزوج رقيق الدين والأخلاق نظرت هذه المرأة إلى المرآة وتأملت في حسنها ثم قالت للزوج مخاطبة : أرأيت لو نظر إلى حسني رجلًا من الدنيا ألا يفتن به ؟ قال نعم هناك من لا يفتن بجمالك مهما أبرزتيه وفتنتيه .قالت ومن هو ؟ قال : قاضي مكة عبيد بن عمير لا يفتتن بك لما انتشر من خلقه وإيمانه وحيائه ، فطلبت منه أن يأذن لها بفتنته فوافقها الزواج ضعيف الإيمان ، فخرجت هذه المرأة والشيطان يزينها حتى دنت من البيت الحرام ، وانتظرته حتى خرج فتبعته حتى بعد عن الأنظار ، وعندما برز في طريق من الطرقات المعتمة نادت عليه يا إمام .فتوقف مكانه وانتظر حتى أقبلت إليه وقالت : يا إمام إني لي بك حاجة فقال : ما هي ؟ فكشفت عن خمارها كشفت عن وجه كأنما هو القمر ! فلما نظرت إليه أرخى نظره إلى الأرض وقال ما حاجتك ؟ قالت : فتنت بك يا إمام فانظر في أمري وكانت بكلمتها تلك تدعوه إلى الخلوة والرزيلة .فتأمل القاضي وتفكر ثم قال : إني أعرض عليكِ أمرًا وأجيبيني بصدقٍ حتى ننظر في حالتكِ بعد أسئلة أربعة ، قالت : وما سؤالك يا إمام ؟ قال : لو أنك ملك الموت قبض روحك الآن أكنتِ تتمنين أني قد قضيت حاجتك ؟ قالت اللهم لا ، قال : صدقتِثم أتاها بالسؤال الثاني : أرأيتِ لو دخلتي القبر بعد الموت وأجلسكِ منكرٌ ونكير أكنت تتمنين أني قضيت هذه الحاجة لكِ ؟ قالت : اللهم لا ، قال : صدقتِ ثم قال بعد ذلك لها : لو أنكِ بعثتِ ونصب الصراط على متن جهنم وهو أحد من السيف فوقعتي من عليه ورميتي في قعر الجحيم أكنت تتمنين أني قضيت هذه الحاجة لك ؟ قالت اللهم لا ، قال صدقتِ .ثم سألها السؤال الأخير : أرأيتِ إذا وقفتي أمام الجبار جل وعلا ثم سألك وأوتي بالصحائف وكل إنسان معلق بعمله ، في تلك الساعة أكنت تتمنين أني قضيت هذه الحاجة لك ؟ قال اللهم لا ، فقال صدقتِ ثم قال: اتقي الله أمة الله فالذي جملكِ وأعطاكِ العافية جل وعلا أتستعينين بنعمه على معصيته ؟فاستفاقت المرأة من كلامه وعادت إلى صوابها وصلاتها وقالت لزوجها نحن والله نحن قومٌ بطالون ، وبعدها عكفت على الطاعة والعبادة والصلاة نادمة تائبة إلى الله عزوجل أما زوجها الشقي فقال : والله لقد أفسد عبيد بن عمير عليّ أهلي وسميت هذه المرأة بعابدة الحرم ، فسبحان من جعل هداها على يد رجلٌ عف عنها إرضاءً لله عزوجل .