في واحدة من حلقات المسلسل الشهير Grey’s Anatomy ، كان هناك حالة لمريضة مصابة بمرض السرطان ، حينما تم إدخالها إلى غرفة الطوارئ استعدادًا لإجراء جراحة عاجلة لها ، وأثناء قيام الممرضة بسحب عينة دم منها ، بدأ كل طاقم الأطباء والتمريض الموجود معها بالغرفة بفقدان الوعي والتساقط على الأرض .وعند وصول الخبر لمدير المستشفي قام بإخلاء المبنى وتعامل مع المريضة على أنها سامة ، وارتدى الأطباء المعنيون بالحالة أقنعة مضادة للغازات اعتقادًا منهم أن جسمها تفاعل مع الأدوية وأنتج نوعًا من الغاز السام الذي ملأ أرجاء الغرفة وسبب هذا السقوط المتتالي للمتواجدين بغرفة العمليات .وهذه الحادثة ليست وحيًا من خيال صناع المسلسل بل هي مستوحاة من قصة حقيقية مشابهة لحالة طبية مسجلة في المستشفى العام بولاية كاليفورنيا الأمريكية باسم المريضة جلوريا راميرز التي شكلت حالتها لغزًا كبيرًا أخذ الأطباء وقتًا في استيعابه والتعاطي معه .القصة الحقيقية للحالة :
في تمام الساعة الثامنة والربع من يوم 19 فبراير عام 1994 ، وصلت السيدة جلوريا راميرز إلى المستشفي العام بمدينة ريفرسيد الواقعة في ولاية كاليفورنيا وهي في حالة خطرة ، حيث كانت تعاني من صعوبة التنفس وفقدان في الوعي نتيجة اصابتها بمرحلة متقدمة من مرض سرطان عنق الرحم .فقام الأطباء في غرفة الطوارئ بحقنها بمهدئات الـ Diazepam ، ولكن جسدها لم يستجب لتلك الأدوية ، وتوقف قلبها بعدها مباشرة فحاول الأطباء التدخل باستخدام جهاز الصدمات الكهربائية في محاولة لإنعاش قلبها ولكن باءت محاولاتهم بالفشل ، حينها لاحظت بعض الممرضات وجود طبقة زيتية على جسد المريضة وانبعاث رائحة تشبه الثوم .وقبل الوفاة بوقت قليل كانت إحدى الممرضات قد قامت بسحب عينة من دم المريضة ، وأثناء سحبها وجدت رائحة أمونيا قوية تنبعث من عينة الدم كما لاحظت وجود جزيئات بيضاء تطفو فوق عينة الدم المسحوبة بالسرنجة ، وما هي إلا لحظات وسقطت تلك الممرضة مغشيًا عليها فقام الأطباء بإخراجها من الغرفة .ولكن بعدها بدقائق معدودة شعرت الممرضة الثانية بالغرفة ببعض الغثيان وفقدت وعيها هي الأخرى ، وتلاهم طبيب الطوارئ الموجود بنفس الغرفة ، فقام بقية الأطباء على الفور بإخراجهم ومغادرة الغرفة ، واتخاذ التدابير اللازمة لإخلاء المستشفي من المرضى والأطباء والموظفين ، وتعاملوا يومها مع جسد المريضة على أنه مادة سامة ، فكل من اقترب أو تعامل مع جسد المريضة يومها أصيب بالغثيان والإغماء ، وقدر عددهم بـ 23 طبيب وممرضة .بدء التحقيقات في حالة جلوريا راميرز :
كان الاحتمال الأول أمام المحققين هو وجود تسرب غاز في المستشفي ذلك اليوم ، وهناك من اعتقد أنها حالة من الهستريا الجماعية التي أصابت العاملين بالمستشفى ، ولكن أثبتت الفحوصات عدم تسرب غاز نهائيًا بالمستشفى يومها .وأيضًا نفى كل من الأطباء وطاقم التمريض أن يكون ما حدث لهم مجرد حالة من الهستريا الجماعية ، خاصة أن الممرضة التي قامت بسحب عينة الدم مرضت مرضًا شديدًا وظلت طوال ثلاثة أيام تعاني من صعوبات التنفس ، لهذا تم تشريح جثة جلوريا لمعرفة إذا كان لها دخل بما حدث في غرفة العمليات ذلك اليوم ، وهنا كانت المفاجأة حيث وجد الطبيب الشرعي بجسدها كميات كبيرة من مركب الـ dimethyl sulfoxide ثنائي ميثيل السلفوكسيد .وهو مركب كانت تستخدمه المريضة لتخفيف ألامها الرهيبة خاصة بعد فشل الأدوية في علاج حالتها المتقدمة ، حيث سمعت من غير المتخصصين أن لهذا المركب قدرة شفائية وفوائد علاجية مدهشة مما جعلها تلجأ لاستخدامه ، وكان هذا المركب يباع على هيئة جل في متاجر الأدوات المنزلية وهو نفاذ له رائحة مثل رائحة الثوم .نتائج التحقيقات في قضية الإغماء الجماعي :
تبين من التحقيقات أنه بسبب تعاطي المريضة لهذا المركب بدأ الجسم يمتصه ويخزنه بالداخل ومع الوقت تسبب لها في حدوث فشل كلوي ، وهو المسئول عن وجود رائحة الأمونيا في الدم وتدهور الحالة الصحية للمريضة .رائحة الثوم التي انتشرت في ذلك اليوم ووجود طبقة زيتية على يد المريضة المتوفاة كان نتيجة دهنها لهذا المركب قبل وصولها للمستشفى ، أما عن الجزيئات البيضاء التي شاهدتها الممرضة في الحقنة كانت بسبب تفاعل المركب مع الأكسجين الموجود في الجو، فنتجت عنه مادة تتحول إلى كريستالات في درجة حرارة الغرفة العادية .أما عن سبب إغماء الأطباء وطاقم التمريض فكان جهاز الصدمات الكهربائية هو المسئول الأول عنها ، حيث قام بتحويل المركب الموجود في جسد المريضة إلى مادة سامة اسمها dimethyl sulfate ، تطايرت في الغرفة ونشرت الغاز السام في قسم الطوارئ مما أدى لحالات الإغماء المتعددة .وهكذا تم إغلاق القضية بهذا التفسير العلمي الذي لا يخلو من المنطقية ، وسميت حالة المريضة جلوريا راميرز من وقتها باسم المرأة السامة The Toxic Lady ، وكان لغرابتها أكبر الأثر في إلهام المخرجة الأمريكية Shonda Rhymes باقتباس حالتها في إحدى حلقات مسلسلها الشهير .