قد يظن البعض ، أن من يلقب بالملك ويحكم البلاد ، هو شخص قاس لا يعرف قلبه الرحمة أو الحب ، ولكن ليس كل حاكم قاس ، وإنما يولد الإنسان طيب ومحب ، بطبيعته وتلقائيته وفطرته التي جُبل عليها ، ولكن الحياة وقسوتها قد لا تترك أمام البعض ، خيارًا آخر قبل أن تحولهم إلى وحوش كاسرة ، تقتل وتحطم وتدهس كل من يقترب منها. ولعل هذا ما حدث مع الملك بيدرو الأول ، بطل قصتنا .عاش الملك بيدرو الأول في كنف والده ، ملك البرتغال المدعو ألفونسو الرابع ، ولكنه كان رجلاً شديد الصرامة ، وله أفكارًا ومعتقدات غريبة ، فقد أجبر ابنه الملك بيدرو الأول ، على الزواج من زوجة سابقة لزوج شقيقته ، مدعيًا أن الأخير ، يخون شقيقة بيدرو ، ويجب تلقينه درسًا قاسيًا ، ولن يتأتى ذلك ، سوى بزواج بيدرو من تلك السيدة ، التي كانت إبنة لأكبر نبلاء قشتالة ، ولديه نفوذًا واسعًا .وعلى الرغم من توسلات الأمير بيدرو الأول لأبيه بالعدول عن تلك الزيجة ، إلا أن الملك ألفونسو الرابع ، قد أصر على رأيه ، وعلى تلك الزيجة وترك ابنة محتارًا حزينًا ، لأنه لم يحب تلك المرأة قط ، ولا يرغب في الزواج منها ، إلا أن الأمر قد آل إلى رغبة الملك ألفونسو الرابع ، كما شاء.تزوج الأمير بيدرو من الأميرة كونستانس ، التي كانت زوجة في أحد الأيام لأمير قشتالة ، والمدعو بألفونسو الحادي عشر ، وقد أتت من قشتالة إلى البرتغال ، بصحبة الكثيرات من الخدم والوصيفات.أنجب بيدرو من زوجته ثلاثة أبناء ، إلا أن إنجاب الأبناء لم ينجح في توطيد العلاقة ، أو أن يزرع حبًا بينهما ، فالأمير بيدرو رغم ذلك ، لم يأبه لوجودها وكان يراها مجرد صفقة ليست أكثر ، وشاء القدر أن يقع الأمير في حب إحدى وصيفات الأميرة كونستانس ، والتي قد أتت بها بنفسها إلى قصرها في البرتغال .كانت الوصيفة والتي تدعى ، إينيس دي كاسترو ، شديدة الجمال ، فقد كانت صاحبة عينان زرقاوان وبشرة شديدة البياض ، حتى أن المؤرخون قد ذكروا ، بأنها لشدة بياض بشرتها ، كان يمكن لمن يجلس أمامها ، أن يرى النبيذ يسري في عروقها ، أثناء احتسائه ، وبالطبع علاقة مثل هذه لم تكن لتخفى على الأميرة كونستانس ، التي اشتعلت غيرتها بشدة وطردت وصيفتها ، بعد أن أصبحت علاقتها بالأمير بيدرو محلاً لأحاديث الجميع ، ولكن الأمير لم يترك عشيقته تعود إلى قشتالة ، بل أخذها لتعيش برفقته في أحد قصوره الفخمة .كان اتخاذ الأمراء لعشيقات في هذا الزمان ، أمرًا عاديًا لهذا ظن الملك ألفونسو الرابع ، أن الأمر لا يعد كونه نزوة عابرة ، وسوف تنتهي ، إلا أن جواسيسه قد نقلوا له ، ما يحدث بين بيدرو وعائلة إينيس ، حيث قام بيدرو بتعيين أشقائها في أماكن مرموقة بالمملكة ، وأصبح البعض منهم مستشارين له ، مما أغضب الملك ألفونسو بشدة ، فالعلاقة بين قشتالة والبرتغال غالبًا ما شابها التوتر ، ولهذا لم يرغب في رؤية ابنه مجرد دمية ماريونت ، يتحكم به القشتاليون كيفما شاؤوا .شاء القدر أن تلقى الأميرة كونستانس مصرعها ، أثناء إنجابها لطفلها الثالث من الأمير بيدرو ، فظن العاشقان أن بإمكانهما الزواج ، إلا أن الملك ألفونسو الرابع ، رفض الأمر بشكل قاطع ، على الرغم من توسلات الأمير بيدرو له ، ووصل الأمر بينهما حد القطيعة ، ولكن الملك ألفونسو استشاط غضبًا ، نتيجة رؤية ابنه بيدرو ، يلاطف أبنائه غير الشرعيين ، على حساب أبنائه الملكيين من زوجته الراحلة كونستانس .قرر الملك ألفونسو الرابع ، أن يضع حدًا لما يحدث ، فقرر قتل إينيس فتطوع ثلاثة من النبلاء ، للقيام بتلك المهمة وبالفعل ، توصلوا إلى المخبأ الذي كان قد أخفى فيه بيدرو إينيس ، وأطفاله ليداهموا المكان أثناء غيابه ، ويقتلون إينيس أمام أطفالها ، ويقطعون رأسها ويحملونه للملك ، وعندما عاد بيدرو ، وجد أطفاله يبكون في فزع رهيب ، ووجد جثة إينيس بلا رأس ، فجن جنونه وأعلن الحرب على الملك ، بعد أن حشد جيشًا ضده ، ولكن الحرب لم تميل لكفة الملك كثيرًا ، حيث مات إثر إصابته بأزمة قلبية ، وتم تتويج بيدرو ملكًا على البرتغال ، ولقب بالملك بيدرو الأول .أول ما فعله الملك بيدرو ، هو البحث عمن قتلوا إينيس ، فنجح في القبض على اثنين منهم ، بينما فر الثالث نحو قشتالة ، وقيل أن الملك بيدرو قد أخرج قلبي الرجلين وهما على قيد الحياة ، واحدًا من صدره والآخر من ظهره ، كناية عن لوعة قلبه على حبيبته إينيس .والأمر الثاني الذي فعله ، هو أنه أخرج جثة إينيس ووضع رأسها على جسدها وكساها بلباس الملكات ، وقام بتتويجها ملكة للبرتغال ، وطلب من النبلاء تقبيل يدها وتنصيبها ملكة عليهم ، لتصبح إينيس ملكة البرتغال وهي جثة متعفنة .حكم بيدرو الأول لعشرة أعوام كاملة ، قبل أن توافيه المنية ، وكان خلالها قد بنى قبرين ملكيين متقابلين ، في إحدى الكاتدرائيات ، واحدًا له والآخر لإينيس ، وكتب بينهما عبارة معًا حتى نهاية العالم .