يحكى أنه كان يوجد رجل يعيش في إحدى القرى ، وكانت القرية التي يعيش فيها ذلك الرجل ، تتسم بالقدم ، وذات يوم ، رغب الرجل في حلق شعر رأسه ، ولحيته ، فقرر أن يتوجه إلى حلاق القرية ، وبالفعل نهض ، وخرج من بيته ، وتوجه إلى الحلاق ، ظل الرجل في طريقه ، إلى أن وصل أخيرًا إلى مكان حلاق القرية ، فطلب منه أن يحلق إليه شعره .بدأ الحلاق في عمله ، وشرع في حلق الشعر ، ودار بين الرجلين حديثًا طويلًا ، حيث بدأ بالحديث عن الحياة اليومية ، والمعيشة ، والأجواء العامة ، وتكلم الرجل في موضوعات متفاوتة ، لا ترتبط ببعضها ، فحديث من هنا ، وآخر من هناك ، وبينما هما يتحدثان ، إذ وصل بهم مطاف حديثهم إلى وجود الله سبحانه وتعالى .فرد الحلاق على الرجل ، قائلًا : ” إنني لا أومن في الأصل بوجود الله ” ، فتعجب الرجل ، وسأله : ” كيف ؟ لماذا تقول ذلك أيها الرجل ؟ ” ، فرد الحلاق عليه قائلًا : ” عليك بنزول الشارع ، وستتأكد بنفسك من عدم وجود الله ، فمن منا يمكنه رؤية الله ، للتأكد من وجوده ؟ لا يوجد أي أحد قد رأى الله بنفسه ، ولو أن الله موجودًا ، لكان المرض اختفى ، وما شاع بتلك الصورة بين الناس ” .استأنف الحلاق قائلًا : ” لو أن الله موجودًا ، فما دليل وجوده ؟ انظر إلى الأعداد المتزايدة في الشارع من الأطفال المشردة ، الذين لا يوجد لهم مأوى ، ولا ملجأ ، فإن كان الله موجودًا بالفعل ، فلماذا يسمح بكل ذلك ؟ وكيف يرضى بما يحدث على مر الأزمان ؟ فإن كان موجودًا ، فكان الأحرى أن يزول ما يقاسيه الناس في الشوارع .تمهل الرجل قليلًا ، وكأنه يجهز ردًا مرتبًا ، ليرد به على الحلاق ، وتحلى بالصبر ، حتى لا يتحول نقاشهم إلى نزاع ، تشوبه الحدة ، وهنا أفرغ الحلاق من عمله ، وهم الرجل للخروج ، فلما خرج لاحظ وجود رجل ، غريب الشكل ، له شعر كثيف ، وطويل للغاية ، يشبه الليف، كما أن له لحية طويلة، وله منظر قذر جدًا ، فكان أغبر ، وأشعث، فأسرع الرجل مرة أخرى ، ودخل إلى مكان الحلاق ، ونظر إلى الحلاق قائلًا : أتعلم ؟ لا يوجد أي حلاق على وجه الأرض .تعجب الحلاق مما يقوله الرجل ، وقال : ” كيف لك أن تقول ذلك ؟ فأنا أقوم بالحلاقة هنا منذ أعوام طويلة ، وقد قمت لك بالحلاقة منذ قليل ، فرد الرجل على الحلاق قائلًا : ” إذا كان بالفعل يوجد من يقوم بالحلاقة في هذه الأرض ، لما كان يوجد مثل ذلك الرجل ، وأشار عليه ” .فغضب الحلاق عضبًا شديدًا ، واستنكر على الرجل أن يقول مثل ذلك ، وقال غضبًا : ” لا يمكنك أن تنكر وجود الحلاقين ، فالحلاقون موجودون بالفعل ، والذنب ليس علينا ، فهو الذي لم يتوجه إلى الحلاق ، ولكن هذا لا ينفي وجودنا ” .فرد الرجل قائلًا : ” وهكذا ، فالله موجود ، ولا يمكن إنكاره ، فهو سبحانه وتعالى موجود في كل وقت ، وفي كل مكان ، فانظر إلى أحوال الناس ، هل يلجأون إلى الله ؟ ويتقربون إليه بالدعاء ؟ أم أنهم مغرقون في حياتهم ، ورضوا بأحوالهم ، ولم يتوكلوا على الله حق توكله ” ، وبالفعل اقتنع الحلاق بكلام الرجل نوعًا ما ، وتركه الرجل ورحل .