قصة الغرفة الخلفية


أسندت ظهرها إلى الخلف ، فغارت في أريكتها ، أخذت شهيقًا طويلًا ، ثم زفرت باضطراب وقلق ، مسحت العرق الذي يتنزى على جبينها ، الذي يعتلي عينان تزوغان بقلق ، حدقت في تلك الأشجار العالية التي تطل بفضول مخيف من نافذة غرفتها ، كلما نامت شعرت بتعب مضاعف ، في كل صباح تحتاج إلى نصف ساعة على الأقل بعد الاستيقاظ لتستجمع شتات نفسها ، التي تتآكل يومًا يوم في دنيا كوابيسها التي باتت أسيرة في رعبها ، وما أبشع كوابيسها !أجساد مسلوبة التماسك والحياة :
حيث التوحش والقسوة والموت ، ولكن قسمات وجهها هي أصبح ما ترى في ذلك العالم ، وجهها مخيف يفيض وحشية وغضب ، تقتات بفمها ذي الأنياب الذئيبة أجساد وذنوب وخطايا الآخرين ، تعصر بيديها القويتين جسد فرائسها الآدمية ، وبتثاقل وئيد تنسحب مخلفة زئيرًا جهنميًا ، وأجساد مسلوبة التماسك والحياة .كوابيس الليل :
هذه الكوابيس المزعجة ليلاً وتطاردها نهارًا ، وبدأت هذه الكوابيس منذ أن رحلت أمّها إلى العالم الآخر ، بالتحديد منذ أن رحلت أمّها إلى العالم الآخر ، بالتحديد منذ أن بدأت في العمل في ذلك المجمع التجاري ، عند ذلك التاجر الشاب الوسيم ، لذي يفيض شبابًا ونهمًا ، الذي تشعر بأنه سيلتهمها بعينيه الخلاسيتين .مطاردة الموت :
كم تتمنى لو أن أمها لم ترحل ، وبقيت في دنياها ، كانت تشعر بأن وجودها في الدنيا يهديها سلامًا ودفئًا ، فبمجرد أن تدخل البيت ، وتشم رائحة أمها ، تنسى العالم الذي في الخارج ، أما الآن فذلك العالم الذي كانت تملك قدرة جبارة على إغلاق الأبواب دونه بات يتجرأ في اقتحام عزلتها ليلبسها بسواده وخوفه وبطشه .وأحيانًا تشعر بأن ذلك المجرم المتوحش الذي يجوب البلدة يقتل بلا رحمة ، سوف يتسلل إلى بيتها ، ويجعلها طعامًا لنورس الميناء ، تتخيل جسدها النحيل متعفنا وينخر الموت عظامه الصغيرة ، وفي قاع البحر تغوص جمجمتها .أشباح من الخيال :
أجالت عينيها بترقب محموم في الغرفة ، في هدوئها سمعت أصوات مريبة ، تراءى لها أن السرير اقترب قليلًا منها ، وأنّ أغطيته القطنية البيضاء ترشح دمًا ، وهي تكفن جسدها المسجّي بقهر ، شعرت بالرعب ، وكادت تصرخ ، وتولي هاربة ، سريعًا ما غاب المنظر ، وعادت الأغطية بيضاء تستلقي بفوضى على السرير ، وازداد خفقان قلبها .أرواح شريرة :
قررت أن تتناول فطورها ، ثم أن تذهب إلى عملها ، كم شعرت بأنها متعبة ومنهكة ، على رجليها كدمات كثيرة ، وعلى صدرها كذلك ، خمنت أن السير الطويل البارحة إلى العرافة الغجرية قد استهلك قواها ، الحق أنه قد استهلك كثيرًا من صبرها ونقودها أيضا ، كم كانت سخيفة عندما فكرت في اللجوء إلى مثل هذه الدجالة التي قالت لها : إن روحًا شريرة قد سكنت جسدها ، وإن هذه الروح تزعجها ، وتسبب لها القلق والخوف ، ولذا عليها أن تقدم النذور والقرابين لهذه الروح لكي تغادر بسلام .الحب والخوف :
لكن أنى لها أن تصدق هذا الهراء ، وان كانت تشعر بحاجة إلى الحب وملجأ من شيء تخشى منه ، لعلها تخشى الوحدة ، ولعله الخوف من المجرم الذي يسكن ليل البلدة ، بعد أن غادرت خيمتها المنبوذة في أقصى ساحل البحر ، كادت تعود أدراجها ، وترجو مساعدتها ، لكنها استقبحت الفكرة ، ومضت في طريقها .معاودة الكابوس الرهيب :
تقول في نفسها صارخة وهي تحدق في عينيها في المرآة ، المواجهة لها : لعل الروح الشريرة أمرتها بأن تغادر خيمة العرافة ، لأنها تستطيب البقاء في جسدها ، الليلة الماضية رأت كوابيس مزعجة ، معظمها غير قابل للتفسير .ولكنها تستطيع أن تتذكر بوضوح وجه مديرها الوسيم ، لكنه لم يكن وجهًا وسيمًا كما ألفته بل كان وجهها مسلوخًا قد انزاح ، بعضه عن جمجمة شبه محطمة ، الآن تذكرت ذلك الكابوس الرهيب تماماً ، وعادت أنفاسها إلى الاضطراب ، ولكن شيئًا غريبًا هس في أذنها ، بكلام خفيض ، فعادت إلى سابق رتابتها .الموت :
في الطريق إلى العمل الذي يقع بعيد عن بيتها بشارعين ، راقبت الذاهبين والآتيين ، وحدقت في الوجوه ، لعلها تجد وجها قد مر معها في أحلامها ، كانت أول الواصلين إلى العمل بعد صبي المشروبات ، تأخر المدير على غير عادته ، وشعرت بقلق خاص عليه ، لم يفارقها وجهه المسلوخ ، فقد كان يتراءى لها كلما حدقت في ساعتها ، في الظهيرة كان الخبر يملأ أرجاء البلدة ، وكان السواد يسكن بيت ذلك المدير .لم تفاجئ عندما علمت بأمر مقتله ، في الحقيقة كانت تنتظر ذلك الخبر ، لطالما حققت أحلامها ، أو كوابيسها ، فقد عرفت بموت الكثير من معارفها قبل أن تعلم بذلك رسميًا ، لقد كانت كوابيسها المرآة لرؤية ذلك مسبقًا ، حتى عندما قتل خطيبها ، الذي كانت تحبه إلى درجة الجنون ، كانت تعلم بذلك مسبقًا .فقد رأته في منامها مسجي على صخور التله ، وقد تناوشت الوحوش بعضًا من لحمه قبل أن تجده الشرطة بأيام ، ولبست السواد عليه ، فهي لم تستطيع أن تتجاوز حبها له ، الذي مازالت تكنه له على الرغم من أنه كاد أن يفسخ خطبتهما ، ويمزق قلبها ، ليخلو له وجه صديقتها المقربة ، التي اختفت منذ وفاة خطيبها هي الأخرى ، البعض قال أنها هاجرت بعيدًا ، لأنها لم تطق الحياة في البلدة بعد موت من أحبت ! لكن شيء داخليًا يقول لها أنها لحقت به في العالم الآخر .المشرحة :
كان يومًا متعبًا وكان وجه مديرها مرعبًا ، لنقل أنه لم يكن وجها بالمعنى الدقيق ، كان قطعًا من اللحم والعظام ، كان جسده المسجي في المشرحة يبدو أصغر حجمًا ما اعتادت عليه ، طلبتها الشرطة لكي تتعرف عليه ، كانت أعضاؤه بارزة بوضوح من تحت الغطاء الأبيض ، تذكرت كم قاومت ذلك الجسد الذي امتد كحيوان يفترسها ، وينهش عذريتها ، ليته مد إليها يد عاشق بدلًا من مخالبه الذئبية المفترسة ، وقالت في نفسها بتشف ممزوج بتعب : لا بأس ، لقد نال الجزاء الذي يستحقه !الغرفة الخلفية :
سريعا ما انتصف النهار وسريعًا ما حل الليل ، قررت أن تعود إلى بيتها ، عبرت الطريق المختصر الذي يمتد خلف الأحياء السكنية ، حيث الظلام يتسلل في بعض دروبه ، كانت تتدثر بمطرها الشتوي ، كانت تعد قطرات المطر الحزينة .وصلت أخيرًا إلى طريق موصد بالطوب ، واجهت وجهًا لوجه الخطوات التي ترصدها ، كان رجلًا يبدو السكر في عينيه ، كان جادًا في انتهاكها ، مد يده اللعينتين إليها ، فجأة شعرت بروحها تزهق ، رأت نفسها تسقط في بيت كبير ، لتدلف في غرفة خلفية لم تكن تعرف بوجودها في البيت ، ولكن الغرفة الخلفية وجدت فيها آلامها ومخاوفها وانكسارتها وحشود الذين خانوها ، ووجدت مزقًا في نفسها ، ولكن على شكل وحش ، يتمدد ليهصر من يخذلها أو يمتد إليها بيد طماعة .الباب الفولاذي :
نهشت بيدها وجه الرجل ، وممزقة اربًا بأسنانها ، ثم داسته وتركته جثة هامدة ، للحظات رأت خطيبها ومديرها وصديقتها والكثير والكثير من الرجال يسكنون غرفتها الخلفية التي توصد بباب فولاذ ، ابتعدت عن المكان سمعت صوت الباب الفولاذي يصطك خلفها بشدة ، عادت إلى بيتها الذي تجهل أنها تعيش في غرفته الخلفية السرية منذ زمن طويل .جريمة قتل شنيعة :
في الصباح كانت متعبة من كوابيسها ، أسندت ظهرها إلى أريكتها ، ومثل العادة غار جسدها في جلد الأريكة ، كانت متعبة الكثير من الخدوش في يدها ، تذكرت كابوس البارحة بصعوبة ، في أول صفحة من الصحيفة التي طالعتها رأت صورة الذي قتلته تتربع تحت خبر شنيع عن مقتله .شعرت بالخوف من ذلك المجرم الذي اعتدى على صاحب الصورة ، وقتله دون رحمة ، وفكرت بجدية للذهاب إلى العرافة الغجرية ، لعلها تخلصها من الروح الشريرة ، ثم عادت وتراجعت عن قرارها ، ومن جديد دخلت إلى الغرفة الخلفية ، حيث يقبع جزء من ذاتها .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك