نحن الآن أمام رجل لم يتردد في قتل الملك هنري السادس القديس ، ووريثه الشاب إدوارد ، أو إغراق شقيقه جورج في وعاء ضخم من النبيذ الحلو ، أو في الزواج من أرملة أحد ضحاياه ، ثم قتلها بالسم حين ظهرت عروس محتملة أخرى ، ذات علاقات أفضل على الساحة ، وكانت الفعلة الأكثر شناعة على الإطلاق ، والتي أكدت سمعة ريتشارد السيئة ، هي اختطاف وقتل أميري البرج ، فقد كانا مجرد طفلين، وكانا ابني شقيق ريتشارد ، ولكنهما وقفا حائلا بين عمهما وتوليه العرش .ولكن إذا كان ريتشارد في دراما شكسبير ، لديه سبب مقنع للقلق بشأن سمعته ، فقد استطاع الملك الحقيقي أن يلتمس العزاء لنفسه ، في معرفة أنه كان سيأخذ أكثر من نصيبه من المدافعين ، فبعد خمسمائة عام من وفاته ، استمر قاتل أميري البرج في إلهام مؤلفي القصص البوليسية ، وأبرزهم جوزفين تاي صاحبة الرواية الأكثر مبيعًا ابنة الزمن ، وتضم جمعية ريتشارد الثالث ، أكثر من ثلاثة آلاف عضو كرسوا جهودهم ، لتطهير اسمه .كان ريتشارد في عيون المدافعين عنه ضحية لحملة دعائية نظمها هنري السابع ، والريتشارديون هم أول ملوك أسرة تيودور ، الذين خلفوا بطلهم في الحكم ، ويرسم هؤلاء صورة مختلفة على نحو مذهل لريتشارد ، فهو جندي شجاع ، وملك مهموم بالحكم ، وأخ مخلص ، كما أن لهم أفكارهم الخاصة بشأن قاتل أميري البرج .نشأ ريتشارد الجلوستري من جلوستر ، كما كان معروفا قبل أن يصبح ملكًا ، في كنف شقيقه الأكبر الملك إدوارد الرابع ، وكان ريتشارد الأكثر إذعانا وإخلاصًا لإدوارد ، الذي كافأه في المقابل بالعديد من الألقاب والممتلكات ، التي تمركزت بشكل أساسي في شمال إنجلترا .وفي أبريل عام ١٤٨٣م ، تتوفى إدوارد عن عمر يناهز الأربعين ، بعد حياة من الإفراط في الطعام والشراب والنساء ، تاركا طفلين هما إدوارد اثني عشرعامًا ، وريتشارد عشرة أعوام ، وكانت أمنية الملك على فراش الموت ، أن يصبح ابنه الملك إدوارد الخامس ، على أن يكون على العرش حتى يبلغ الصبي من العمر ما يؤهله لتولي الحكم بمفرده .لم يرض هذا الترتيب زوجة إدوارد الرابع ، إليزابيث وودفيل وبينما كان ريتشارد في الشمال ، نجحت في إقناع المجلس الملكي في لندن ، برفض وصايته ثم أرسلت رسالة عاجلة إلى أخيها أنطوني ، تطلب منه إحضار إدوارد الصغير إلى لندن حتى يمكن تتويجه في الحال .ولدى معرفته بالمؤامرة ، أسرع ريتشارد إلى الجنوب ، معترضًا سبيل أنطوني وودفيل وإدوارد ، وبعد مأدبة احتفالية في المساء ، قام ريتشارد بالقبض على أنطوني وودفيل وإرساله إلى الشمال ، حيث أعدم بعدها بفترة وجيزة ، وبعد ذلك اصطحب ريتشارد ابن أخيه الصغير إلى لندن ، حيث أسكنه برج لندن ، الذي كان آنذاك قصرًا ملكيا وليس سجنًا .ولكن استمرت الخطط في اتجاه تتويج الملك الصغير ، وأقنع ريتشارد الملكة بأن تدع ابنها الأصغر يلحق بإدوارد ليحضرمراسم التتويج ، وتعهد ريتشارد بإعادة الصبي فور انتهاء التتويج ، وكان ما ساهم أكثر في إقناعها ، بلا شك قوات ريتشارد التي أحاطت بحرم الملكة في دير ويستمينستر .في غضون ذلك ، كان ريتشارد في حاجة لذريعة ما للمطالبة بالعرش لنفسه ، وظهرت تلك الذريعة بلا أي جهد في يونيو ، في صورة معروف أسداه روبرت ستيلينجتون ، أسقف باث وويلز ، حيث فقد كشف ستيلينجتون للمجلس الملكي ، أن زواج إدوارد الرابع بإليزابيث وودفيل كان باطلًا ، لأنه في وقت ما عقد قرانه بامرأة أخرى ، هي إليانور باتلر وبذلك يكون الأميران اللذان في البرج ابني زنا ، وأبناء الزنا لا يستطيعون وراثة العرش .ومع غرق جورج الأخ الآخر لإدوارد الرابع ، في النبيذ المذكور آنفًا ، لم يكن هناك شخص آخر في ترتيب وراثة العرش سوى ريتشارد الجلوستري ، وشعر ريتشارد في تلك اللحظة أن التاج في قبضته ، وفي أواخر يوليو أو أوائل أغسطس ، أرسل خطابًا إلى سير روبرت براكنبري مسئول الأمن بالبرج ، يأمره بقتل الأميرين، إلا أن براكنبري رفض .ومن ثم أسند ريتشارد المهمة إلى جيمستيريل ، وهو مؤيد له ذو شخصية طموحة ، وقد استعان بتابعين أمينين في هذه المهمة ، وبحسب رواية مور ، انتظر تيريل بالخارج ، بينما تسلل الآخران إلى أعلى ، حيث الأميران النائمان وعلى حين غرة قاما بلفهما داخل أغطيتهما ، وضغطا بقوة على فميهما بالحاشية الريش والوسائد ، ثم قام الرجال الثلاثة بدفن الجثمانين ، أسفل الدرج في عمق الأرض ، وفق مقاسات محددة تحت كومة كبيرة من الأحجار .