تدور أحداث الرواية عن حكمة التحكم والسيطرة على النفس وقت الغضب ، وأن أي قرار سيتخذه الانسان فى ذلك الوقت سيندم عليه ندمًا شديدًا فى وقت لا ينفع به الندم .المؤلف :
محمد عطيه الابراشي (1 ابريل 1879م -17 يوليو 1981م) مصري الجنسيه ، مفكر وفيلسوف ، وكان أول مصري يؤلف كتابًا باللغة العبرية ، وانشأ قسم خاص للكتب العبريه فى المطبعه الأميريه ، وأشتهر بأدب الأطفال ومن أشهر مؤلفاته (أطفال الغابة ، السلطان المسحور ، الملك العدل ، أميرة القصر الذهبي
.القصة :
كان جنكيز خان ملكًا جبارًا ، ومحاربًا بطلاً ، يقود جنوده بنفسه ، وكان الناس يتحدثون بشجاعته ويعجبون ببسالته ، فتح بلادًا واسعة ، وغلب أمم كثيرة حتى قيل ، أنه لم يأت بعد الاسكندر الأكبر فاتح مثله إلا جنكيز خان .ركب ذات يومًا في الصباح ليصطاد فى الغابات ، وكان يرافقه كثيرون من أصدقاءه ، وكان السرور يظهر على وجوههم جميعًا وهم ذاهبون ، يحملون حرابهم ورماحهم بأيديهم ، وتبعهم من وراءهم الخدم ، وكلاب الصيد ، وكان جنكيزخان ممسكًا بيده صقره العزيز ، فقد كانت الصقور منذ قديم الزمان تعلم الصيد ، وتربي للصيد كالكلاب ، يرسلها صاحبها فتطير فى الجو وتبحث حولها عن صيد تفترسه .فاذا رأت غزالًا أو أرنبًا انقضت عليه كما ينقض السهم ، مكث جنكيزخان وأصدقاؤه فى الغابه يبحثون عن حيوان يقنصونه أو طائر يصيدونه ، ولكنهم لم يفوزوا بكثير مما كانوا ينتظرون ، وفى المساء أخذوا فى الرجوع من رحلتهم .وفضل جنكيز خان أن يرجع وحده ، واختار جنكيزخان طريقًا طويلًا فى وادي بين جبلين ، وقد كانت هذه الغابة معروفة لديه ، فكثيرًا ما مشي فيها حتى عرف كل طريق من طرقها ، ورجع أصدقاؤه من جهة أخرى واتخذوا أقرب طريق فى رجوعهم .كان الزمن صيفًا والجو حار ، واشتد العطش بجنكيزخان ولم يجد ماءًا ، وقد حدث أن الصقر طار من يده ، وارتفع فى الجو فلم يهتم جنكيزخان بذلك لعلمه أنه ذاهبًا إلى القصر لا شك فى ذلك ، وأنه يعرف طريقه كل المعرفة ، ركب جنكيزخان حصانه ، وسار ببطء وأخذ يفكر فى عيون الماء التي رآها من قبل بين تلك الصخور الجبليه .وفى مياهها الباردة العزبة ليروي عطشه ، ولكن أيام الصيف الشديدة الحر قد جففت كل تلك العيون وتبخر ماؤها ، ولم يبقي له أثر وبعد مدة طويلة ، رأى قطرات من الماء تتساقط على صخرة من الصخور .فاشتد فرحه وسروره عرف أن هناك عين من العيون تجري مياهها بين تلك الصخور ، يكثر ماءها فى الشتاء فيجري ، ويقل فى الصيف فيتساقط قطرة قطرة ، نزل جنكيزخان من على حصانه ، وأخرج من حقيبة صيده كوبًا فضيًا صغيرًا ، وأمسكه ووضعه تحت القطرات المتساقطة من الماء .وانتظر مدة طويلة حتى ملئ الكوب ، وقد اشتد به العطش وحينما قرب الكوب الى فمه سمع فى الجو حركة شديدة ، واهتزت يده بغتة فوقع الكوب من يده وسقط الماء على الأرض ، نظر جنكيزخان ليري من الذي رمى الكوب من يده ، وأساء إليه تلك الإساءة .فوجد أنه صقره العزيز انقض عليه وأسقط الكوب من يده ثم طار ، وأخذ يحوم حول سيده ، ويرجع حينًا إلى الصخرة في مكان العين التى يتساقط منها الماء ، التقط جنكيزخان الكوب من الأرض وهو متألم ، وأمسك به ثانية ووضعه تحت قطرات الماء ، وحينما ملأ نصف الكوب ، رفعه الى فمه لشدة عطشه .ولكن قبل أن تمسه شفتاه انقض عليه الصقر مرة ثانية وأوقعه من يده ، اشتد غضب جنكيزخان ورجع فأخذ الكوب ، ونظر إلى الصقر وقال لو كنت فى يدي لذبحتك ، وإذا عدت الى فعلتك قتلتك شر قتلة ، ثم ملأ الكوب بعد صبر طويل .وقبل أن يحاول الشرب نزع سيفه من جرابه وقال الآن أيها الصقر هذه آخر مرة لك ، وقبل أن ينتهي من كلامه حام الصقر حوله كالوحش وأسقط الكوب من يد سيده ، فضربه ضربة قاتلة ووقع على الأرض ميتًا ، فقال جنكيزخان هذا جزاؤك بل هذا أقل مما تستحق ، وبحث عن الكوب ، فوجده قد سقط بين صخرتين فى مكان لا يستطيع أن يصل إليه ، فقال لابد أن أصل أنا إلى عين الماء لأشرب منها .وأخذ يتسلق الصخور إلى العين ، وقد وجد فى تسلقها صعوبة كبيرة ، واشتد به العطش حتى أخذ منه كل مأخذ وأثر فيه كل التأثير ، وبعد تعب شديد وصل إلي العين ، فوجد فيها حية كبيرة من النوع السام داخل الينبوع الذي يخرج منه الماء ، ميتة ، دهش جنكيز خان كثيرًا ، ووقف مبهوتًا حائرًا ، ونسى ما كان يحس به من شدة العطش .وأخذ يفكر فى الطائر المسكين الذي قتله ، وهو يسعى فى نجاته فظلمه ، وهو بريء وقتله فى وقت أحسن إليه كل الاحسان .
وصرخ قائلا وااه حسرتاه وااه حسرتاه ، لقد انقذني الصقر من الموت وقتلته ظلمًا ونجا حياتي بوفائه وإخلاصه ، كفأته بالقتل والموت لغضبي وقلة صبري ، وترك قمة الجبل وهو حزين كل الحزن ، متألم كل الألم .ورجع إلى الصقر المسكين فحمله برفق ووضعه فى حقيبة الصيد وركب حصانه ، ورجع إلى قصره مسرعًا ، وهو يقول لقد تلقيت اليوم درسًا قاسيًا لقد تعلمت ألا أتسرع فى الحكم وألا أحكم وأنا غضبان ، وسأبقي طول حياتي حزينًا ، لأني لم أتعلم هذا الدرس قبل أن أتسرع بقتل صقري الوفي المحسن إلى المنقذ لحياتي .