ذات يوم اجتمع الصليبيون وقرروا الهجوم على بيت المقدس في فلسطين ، واستولوا عليه واحتلوه ، قام الصليبيون بالنهب والسرقة في البلاد ، وكانت هناك امرأة كبيرة في السن تعيش في بيت قديم ، مع ابنها الوحيد أحمد ، قالت له أمه ذات مرة : يا أحمد لقد استولى الجنود الصليبيون على كل ما تركه أبوك لنا وأخذوه بالقوة ، ولم يبق عندنا إلا بقرة واحدة ، فاحرص كل الحرص على ألا يراها الصليبيون حتى لا يأخذوها ، واهتم بها يا أحمد لنشرب من لبنها ، فلم يعد لنا سواها ، قال أحمد : تحت أمرك يا أمي ، سوف أعتني بها وأحافظ عليها ، وسأذهب بها الآن إلى الحقل لتأكل وتشرب .ذهب أحمد إلى الحقل ومعه تلك البقرة لتأكل وتشرب ، وجلس تحت ظل شجرة يستمتع بالهواء ويراقب البقرة حتى لا تذهب بعيدا فهي الآن مصدر الغذاء الوحيد له ولأمه ، وفجأة سمع أحمد صوت أقدام الجنود الصليبيين ، وهم يقتحمون المكان فقد كانوا يطاردون بعض الجنود المسلمين ، فأسرع أحمد من مكانه وأخذ البقرة ، واختبأ بها خلف الأشجار ، وظل مختبئًا لفترة طويلة حتى يطمئن أنهم قد ذهبوا بعيد .وقرر أحمد أن يعود بالبقرة إلى أمه ليسقيها اللبن، وفجأة قابل أحمد جنديًا مسلمًا يحمل جندي آخر جريح ، فقال له الجندي : يا بني أريدك أن تحضر لنا كوبا من الماء ، بحث أحمد عن الماء فلم يجد ماء ، وأخذ يفكر ماذا يصنع ؟ ، وإذا به يجد البديل الأفضل فأخذ الكوب الكبير وراح يحلب البقرة حتى امتلأ الإناء بالحليب ثم قدم الإناء لهما ، فشرب الجندي الجريح حتى ارتوى ثم أعطى زميله فشرب .قال الجندي الجريح لأحمد : جزاك الله خيرًا يا بني فقد أنقذت حياتنا ، فقال له أحمد : بل جزاكم الله خيرًا فأنتم تدافعون عن المسجد الأقصى وتحاربون أعداء الله ، وانصرف الرجلان ، وعاد أحمد إلى البيت ليجد أمه في غاية القلق عليه فلما رأته سألته : لماذا تأخرت يا أحمد وأين كنت ؟ ، فأخبرها أحمد بالقصة كلها ، وعلمت الأم أنها ستنام هذه الليلة بلا طعام ولا شراب بعد أن سقى أحمد اللبن كله للجنديين .ومرت الأيام والشهور ومازالت الحروب مستمرة بين المسلمين والصليبيين ، حتى مكن الله المسلمين واستطاعوا طردهم من البلاد ، وفي يوم من الأيام كان أحمد واقفًا أمام البيت فرأى رجلين يقودان أمامهما ثلاثين بقرة فتعجب لهذا المنظر وبخاصة عندما رآهما يتجهان إلى بيته ، فقال أحدهما لأحمد : جزاك الله خيرًا على ما صنعت ، وهذا البقر هدية لك من القائد الذي أنقذت حياته يوم أن سقيته اللبن .فوجئ أحمد من هذا القول ثم قال : أنا لم أفعل شيئًا غير الواجب الذي يجب أن يفعله أي إنسان في هذا الموقف ، ولا أريد جزاء صنيعي فهذا أقل واجب تجاه جنودنا ، فقال الرجل : لقد أنقذت حياة قائدنا وكان لابد من مكافأتك ، وأصر الجندي على أن يأخذ أحمد هذه الأبقار ، فرح أحمد بذلك فرحًا شديدًا ، ودخل على أمه ليبشرها بالخبر السعيد ، فقالت له أمه : يا بني من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه وهذا جزاء المعروف الذي فعلته ، ولله الحمد .