عبد الأمير عبد الزهرة معلة ، شاب في الثلاثينيات من عمره ، اختار حياة العمالة والعمل كجاسوس عراقي ، ينتقل بين إيران والعراق بأمر من جهاز الأمن العام العراقي ، لتنفيذ مهمات لصالح العراق
إلا أن الاصطلاحات لا تخلق اعتباطاً ، فللرجل من اطلاق اسم مستعار له ، 553 ، نصيب بالدخول في عالم احتراف الجاسوسية نظير بضعة دنانير ، ولكنه كان يمتهن التهريب وإدخال بضائع لغرض بيعها في القرى العراقية
وبهذا يكسب مالاً
طموحاته : يتيه فخاراً كلما رضي عنه مديرأمن البصرة اللواء مهدي في فترة التسعينات ، و فوق ذلك فحياته لم تكن منحصرة في الحاضر ، فهو يتوق لنيل يومًا ما مرتبة عالية من مكتب مدير الأمن العام ، ويحكم ويلهو كما يشاء ، كما فعل أقرانه عندما استلموا صلاحيات من الدولة لقمع المواطنين
والمثال على ذلك ابراهيم العواجي ، في قضاء مدينة البصرة ، عندما خوله حسين كامل بكافة الصلاحيات بإعدام الخونة ، ولكن ابراهيم كان يستخدم نفوذه في قتل الرجال لكي ينفرد بزوجاتهم ، أو كان يتخلص من خصومه بحجة انهم غير موالين لحكومة حزب البعث انذاك ، ثم وبعد مقتل حسين كامل ، فقد كل ابراهيم صلاحياته وهرب إلى جهة مجهولة
وكانت جرائم الاغتصاب والقتل ، تجري على قدم وساق في تلك الفترة بين هذه المناطق النائية من جنوب العراق من قبل من يعملون مع جهاز الأمن العراقي ، أما رئيس الدولة العراقية فقد كان حريصاً على الحد من تلك المظاهر ومعاقبة الجناة بشكل رادع وبدون رحمة
السر وراء الانتقام : كان عبد الامير يرمق بعين الطموح ، إلى أن ينتقم من خصومه وتجريعهم الويل ، ومن بعض نشاطاته أنه كان يركز يومًا على شباب من طلاب العلم ، تجتذبهم المساجد أو القهوة في أماسي العطل والأجازات لسكان البصرة ، فيأوون إلى ركن منها يتسامرون ويتناقشون ، كان الطلبة كبقية الناس من جمهور الشعب الفقير
ولكن صفة التعليم سمت بهم إلى مرتبة عالية ، فانتبذت الكبرياء بهم ركنا منعزلاً ، وإن كانوا يرتدون العباءة بل وينتعل بعضهم القباقيب ، أثناء فترة الخروج الى المجالس أو السهر ، وهذا سر امتعاض عبد الأمير من هؤلاء الطلاب ، فهو لم يحب يوماً العلم ولا المتعلمين وهذه فرصة للنيل منهم
بداية التجسس: وجاء يوم فاستطاع أن يفهم ما يقولون لأول مرة ، إنهم يتباحثون في السياسة ، وأمور أخرى ، وسر بهم سروراً لا مزيد عليه ، فهو يبحث عن نشاط للمتطرفين ، هكذا يسميهم ، ثم سمع يومًا أحدهم يقول في المسجد : هذا البلد لو أقيم فيه ميزان العدالة ، كما ينبغي لامتلأت السجون وخلت القصور
كان عبد الأمير يتظاهر بالصلاة والتعبد ، ونجح في ايهامهم بأنه مشغول ويتلذذ بالصلاة ، وكان عبد الامير رغم أصواتهم الخافتة ، يستطيع سماعهم ثم ما لبث أن راقه ما يسمع الآن : أضرب لكم مثلا بفلان
أتدرون كيف جمع ثروته وماذا يفعل ؟ ثم جعل يعدد وسائل الاجرام التي ابتز بها أموال الناس كأنه كان سره أو مرجع رأيه ، ثم تابع الجميع الخوض في حديث عن الشخصيات السياسية ، وأهم الأحداث ، ويكشف كل واحد تاريخاً ويكشف مثالبها مفتتحاً كلامه بهذه العبارة : وأين الرئيس ؟ هل تعلمون كيف هرب النفط ، واستورد ابنه الويسكي ؟ ومازالوا في حملتهم حتى انتبهوا إلى أن الوقت سرقهم ثم خرجوا من المسجد تاركين عبد الامير خلفهم يتظاهر بالعبادة وقراءة القرآن ، ومازال يقرأ حتى خطف بصره الى باب المسجد ليتأكد بأن الجميع غادروا
عبد الأمير والمسئول الأمني للدولة: في مقابلة مع مسئوله الأمني أخبره عبد الأمير بأن جماعة من الطلاب يتداولون مناشير معادية ضد الدولة ، وأنهم ينتمون لحزب معادي ، كان المسئول الأمني ذو المستوى الرفيع جاداً في سماع القصة ، ويدون كل شاردة وواردة بهذا الأمر ، وبعد 3 ساعات أكدّ المسئول على مؤتمنه عبد الامير بأن يقتفي اثارهم ويستدل على عناوينهم ، ثم أخرج عبد الأمير بعض المناشير المعادية وقدّمها للمسئول قائلاً : هذا ما تركوه في المسجد خلسة ، الظاهر أنهم يعملون بتوزيعها بسرية تامة
قرأ المسئول الأمني ما هو موجود في الورقة بكل اهتمام ثم داعب ذقنه وقال : سأكتب مطالعة للسيد المدير وأرفق بها هذه المناشير وعليك بأسمائهم وعناوينهم ، ثم استعد عبد الأمير للمغادرة متلفعًا نصف وجهه ، بلفاف احمر ، الياشماغ ، لمنع أي أحد من التعرف عليه
ثم رافقه أحد المنتسبون للأمن إلى باب المديرية ، وكانت الساعة الرابعة صباحاً
بعد مرور شهور: ومرت شهور وعبد الامير قد أكمل ملفاً كاملاً من المناشير ودون بتقارير دقيقة ، نشاطات وهمية للطلاب اللذين لم يدركوا حتى اللحظة الأخيرة من اختفاءهم من على وجه الأرض ماذا فعلوا لكي يسجنوا ؟ التعذيب والسجن : أصدر مدير الأمن مذكرة القاء القبض عليهم ، وتم احضارهم الى المعتقل المشئوم ، وذاقوا من أساليب التعذيب مالا يصدق ، ولكن أحدهم كان ضعيف البنية ، ولم يتحمل الضرب فأغراه المحقق بالبراءة لو اعترف فصدق الشاب ، فاعترف على زملاؤه بما لم يقترفوه ، وبذلك اطفى مستقبله ومستقبل أصدقائه ، من خيرة طلاب جامعة البصرة ، كانوا يقصدون المسجد للصلاة والنقاش لا غير
المحاكمة : وبعد أشهر تقدموا للمحاكمة ، وكان حكمهم الاعدام وطووا بذلك سجلاً من قصص العراقيين البائسة آنذاك