عاش كارل كويشر في أوائل الثمانينات مع زوجته هانا حياة مرفهة للغاية ، تكاد تكون مطلية بالذهب وذلك في الجانب الشرقي العلوي من مدينة نيويورك ، حيث قادوا سيارة BMW الجديدة وعاشوا في قصر فاخر ، إلى جانب نجم التنس إيفان ليندل والممثل الكوميدي ميل بروكس
وكانت هانا تتاجر بالماس ، كانت جميلة للغاية شقراء ذات بشرة بيضاء وعيناها زرقاوين ، وكانت تلبس المعاطف الراقية ذات فرو المنك ، وقد أخبر كارل جيرانه بأنه مستشار أمني في قسم الفلسفة بجامعة كولومبيا ، فكانوا معروفين في هذا الوسط الثري ، وكانوا معروفين أيضًا في أحزاب تسمى الجنس المتأرجحة
لكن في تشرين الثاني (نوفمبر) 1984م تم كشف النقاب عن حياة الزوجين البراقة ، وعما كانا عليه في الحقيقة فقد كان الزوج هو الجاسوس السوفيتي ، الذي تسلل للأجهزة الأمنية الأمريكية ، واعترف كويشر بالقيام بأضرار لا حصر لها لوكالة المخابرات المركزة وممتلكاتها ، وقد قام بتجنيد زوجته لتكون شريكًا له ، وحكم عليه بالسجن المؤبد
لكنه قضى سنتين فقط حيث عاد إلى تشيكوسلوفاكيا في عام 1986م ، في تبادل للأسرى الأجانب واستقبل استقبال الأبطال ، لقد ولد كويشر في براتيسلافا في تشيكوسلوفاكيا لكنه نشأ في براغ ، حيث التحق بمدرسة اللغة الإنجليزية وهناك أتقن اللغة الانجليزية
وفي أواخر العشرينات من عمره وبعد عدة سنوات ، كانت تتبعه وكالة الأمن التشيكية StB ، وتم تجنيده بالفعل وبدأ العمل معهم في مكافحة التجسس في براغ ، حيث كانت مهمته استهداف ألمانيا الغربية ، ثم في عام 1965م طلب منه الذهاب إلى الولايات المتحدة لتكليفه بمهمة العمر
وحينما سؤل بعد ذلك عن الأمر قال لصحيفة الغارديان : لقد سألت ماذا علي أن أفعل هناك؟ فقالوا ” أنت ذاهب لاختراق وكالة المخابرات المركزية ” ، فسألت “كيف؟” فقالوا لي : “الأمر يعود إليك” وبالطبع وافقت على الفور
وبدأت الخطة حيث انتقل هو وزوجته إلى الولايات المتحدة عبر النمسا ، من خلال اعتبارهما منشقين عن الشيوعية حيث عملا في الإذاعة ، وقد سهلت مهاراته في اللغة الإنجليزية عملية توظيفه ، وفي النهاية حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كولومبيا
وكانت زوجته قد بدأت في صنع مهنة لنفسها في صناعة الماس ، وبعد ست سنوات من وصوله في عام 1971م ، تم تجنيسه كمواطن أمريكي وفي غضون عام كان قد تقرب من بعض عملاء وكالة المخابرات الأمريكية ، ثم بعد عام من ذلك تم تعيينه متفرغًا كمترجم ومحلل
وكان يتعامل مع المستندات الحساسة والقوائم والنصوص بالدولة ، و كل ما رآه أرسل إلى البيت أي ال StB وكالة الأمن التشيكية ، وبمرور الوقت توترت علاقة كويشر مع المكتب ، حيث كانوا يشكّون في أنه كان يعمل تحت تعليمات أمريكية ، وأمرت وكالة الأمن التشيكية كويشر بالاستقالة من وكالة المخابرات المركزية
وتم استجوابه لمدة أسبوع في تشيكوسلوفاكيا وعند عودته إلى نيويورك ، غادر وكالة المخابرات المركزية وأخذ وظيفة في الأوساط الأكاديمية ، ولكن مع تزايد التوتر في عهد رونالد ريغن ، اتصل به جهاز المخابرات السوفيتية kgp في أوائل عام 1982م
وطلب منه العودة للعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية ، وقد أعادته الوكالة بالفعل دون شك ولكنهم بعد فترة بدئوا في مراقبته ، لاشتباههم في القيام بنشاط غير عادي ، وبعد ذلك بعامين انتهت مسيرته كجاسوس ، وكان من المتوقع أن يقبع في السجن لبقية حياته
لكن كويشر وزوجته لم يعيشا حياة مزدوجة فقط ، بل كان هناك جانب آخر أكثر خبثًا لوجودهم في نيويورك ، والذي كان يتجاوز مجرد الترفيه ، ووفقًا لرونالد كيسلر في التاريخ السري لمكتب التحقيقات الفيدرالي : “كان لدى كويشر طريقة غير معتادة للحصول على معلومات سرية بحضور حفلات الجنس”
لقد طور هو وزوجته نوعًا من التبديل بين زوجته وزوجات الآخرين ، حيث كانت زوجته حسنة المظهر ولها شعبية ، وكان هذا مخالفًا لقواعد وكالات التجسس ، ولكن تعرض الوكلاء للابتزاز والخطر بالفعل ، وتدفقت المعلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الدفاع مع تلك الحفلات وتلك المشروبات
لم تكشف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أبدًا عن خيانة كويشر ، رغم أنه ترك آثار الدمار في أعقابه ، والتي شملت انتحار ألكسندر ديميتريفيتش أوغورودنيك ، وهو دبلوماسي سوفيتي كان يعمل متخفيًا لصالح وكالة الاستخبارات المركزية ، وبمجرد احتجاز كويشر واجه مستقبل بائس في السجن بعد محاولة طعن من قبل سجين جديد
ويعتقد كويشر أنه كان خبيرًا في وكالة المخابرات المركزية ، لهذا ناشد كي جي بي في خطاب قائلًا : إنه يخشى على حياته ، وهكذا في فبراير
شباط 1986م أصبح كويشر وزوجته جزءًا من التبادل النهائي للسجناء الذي عقد على جسر غلينيك المتجمّد في برلين
لقد كانت هناك مرسيدس ذهبية تنتظرهم كي تعيدهم إلى عالمهم القديم وحريتهم ، وبعد شهرين من الاستجواب تمكنوا من العودة إلى والدته ، التي كانت تعتقد أن ابنها كان منشقًا ، واليوم يعيش الزوجان في قرية هادئة خارج براغ
حيث تنظم هانا حلقات دراسية بين المحترفين في مجال البناء وأساتذة من المدارس الفنية ، في حين أن زوجها متقاعد ويقضي أيامه في القراءة أو ممارسة الرياضة في غابة قريبة ، إنهم بعيدين كل البعد عن وجودهما المثير السابق كجواسيس في مدينة نيويورك ، أو الحياة التي لا مفر منها خلف القضبان ، والتي تمكنوا من الفرار منها في تبادل الجواسيس الشهير