على مدى عشرين عاماً ، حاولوا بكل الطرق أن يدينوا السيدة ليونورا بيبر بالخداع ، واستخدام الحيل المحكمة ، تجسسوا عليها ، لاحقوها ، أجروا عليها آلاف التجارب وفي آخر الأمر ، لم يكن أمامهم سوى أن يعترفوا أن السيدة بيبر ، بطريقة لا يمكن تفسيرها ، تستطيع أن تتصل بالموتى ! ، وحتى وفاتها عام 1954م ، أمدت السيدة لينورا بيبر الباحثين الروحيين بثروة من المعلومات والمواد التي اعتمدوا عليها في دراساتهم .الاعتراف بالظاهرة الخارقة للطبيعة :
لقد أمضى الأستاذ وليام جيمس ، أشهر علماء النفس الأمريكيين ، أربعة أعوام ، يجري خلالها الدراسات التفصيلية على تصرفات السيدة بيبر ، ذهب إلى جلساتها واستجوب بلا كلل عدداً كبيراً من من الذين حضروا هذه الجلسات ، واعترف أخيراً ، قائلًا : إني مؤمن الآن أنها تمتلك من القدرات ما لا يمكن تفسيره ، بما تحت أيدينا من المعارف .التشكيك في القدرات الخاصة :
سمع الأستاذ جيمس لأول مرة عن السيدة بيبر ، من قريب له كان قد حضر جلسة لها بدارها في بوستين ، راح الأستاذ جيمس يشرح لقريبه هذا ضاحكاً ، الخدع التي يلجأ إليها مثل هؤلاء الوسطاء ، وكيف أنهم يسعون إلى جميع المعلومات إلى زبائنهم ، بواسطة عملاء مأجورين ، هذه المعلومات من شواهد القبور ، ومن السجلات المدنية ، وبعد استدراج الخدم العاملين في بيوت الزبائن .وإصراره على مواصلة سرد الأخبار الغريبة عن قدرات السيدة بيبر ، قرر الأستاذ جيمس أن يحضر إحدى جلساتها ، وقد دهش عندما رأى سيدة طويلة ذات مظهر لطيف ، لم تتلق سوى النذر اليسير من التعليم النظامي ، الأمر الذي يختلف عن تصوره المسبق لها .السيدة بيبر وقدراتها الخاصة :
عندما كانت السيدة بيبر تغرق في حالة الغيبوبة ، كانت تتقمصها روح سمي نفسها دكتور فينوي ، طبيب فرنسي متوفي في ميتز ، كان صوت دكتور فينوي ، يصدر من خلال حنجرة السيدة بيبر صوتاً رجولياً خشناً ، تشوبه لهجة فرنسية واضحة ، وبعد عدة جلسات ، اقتنع الأستاذ جيمس أن الأمر يتجاوز مجرد الخداع .على سبيل المثال ، كانت والدة الأستاذ جيمس قد فقدت منذ وقت مضى دفتر شيكاتها ، وعندما سأل السيدة بيبر أثناء غيبوبتها عن مكانه ، وصفت له بدقة وتفصيل مكان الدفتر ، وهكذا أمكنه بمجرد عودته إلى بيته أن يخرج الدفتر من مكانه .وفي مناسبة أخرى ، البريطانية للبحث النفسي قالت : السيدة بيبر أن عمته التي تقيم في نيويورك ، قد توفيت في ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم ، وكتب الأستاذ جيمس عن هذا في مذكراته : وبمجرد وصولي إلى البيت وجدت برقية ، تقول : العمة كيت صعدت إلى ربها ، بعد منتصف الليل بقليل .مع هذا فقد بقيت لدى جيمس بعض الهواجس ، حول إمكان قيام السيدة بيبر بجمع معلومات خاصة عن عائلته ، لهذا اصطحب زميل له ، أدخله إلى البيت بعد أن راحت السيدة بيبر في غيبوبتها ، لكن السيدة بيبر استطاعت أن تعطي الاسم الكامل لذلك الزميل ، ووالديه ، والمرض الذي توفى به والده ، بالإضافة إلى قدر لا يستهان به من المعلومات الشخصية التي تتصل به .الجمعية البريطانية للبحث النفسي :
وعندما وصل تقرير عن ذلك إلى الجمعية البريطانية للبحث النفسي ، دار حديث ساخر حول السهولة التي وقع بها شخص ذكي مثل الأستاذ جيمس في حبائل هذه المرأة ، ومع هذا ، فتحت تأثير التفاصيل الدقيقة التي أشار إليها الأستاذ جيمس ، أوفدت الجمعية محققاً من طرفها عبر الأطلنطي ، متجهاً إلى بوستن ليدرس حالة السيدة بيبر ، هو دكتور ريتشارد هودجسون المحاضر بكمبردج ، والذي قضى شطراً كبيراً من حياته في دراسة الظواهر الروحية الغريبة .عندما ذهب دكتور جيمس هودجسون إلى جلسة السيدة بيبر ، قدمه جيمس تحت اسم السيد سميث ، لكن ما أن بدأت الجلسة ، حتى كشفت الوسيطة عن اسمه الحقيقي ، وأسماء أخوته وأخواته ، كما قالت إن والده وأخاه الأصغر توفيا ، وإنه عندما كان صبياً ، كانت لعبته المفضلة مع ابن عمه فريد هي نطة الانجليز.بحث ودراسة للحالة :
استأجر دكتور هودجسون المخبرين الذين راحوا يتعقبون السيدة بيبر ، لمعرفة ما إذا كانت تتصل بمن يزودها بالمعلومات ، كما سعى إلى احضار أشخاص من ولايات أخرى بعيدة ، ليست لهم أية صلات ببوستين أو نيو انجلاند ، فكان يدخلهم إلى الجلسة بعد أن تغرق السيدة بيبر في غيبوبتها ، ويصرفهم قبل أن تضيق .بعد سنتين من البحث الدائب ، كان دكتور هودجسون أقرب ما يكون من الاعتراف بالقدرة الخاصة التي تتمتع بها السيدة بيبر ، لكنه آثر أن يجرى اختباراً نهائياً ، يريح به الضمير العلمي ، وهو أن يصحبها إلى دولة أخرى ليس له بها معارف أو أقرباء أو أصدقاء .دولة أخرى :
هكذا ، وصلت السيدة بيبر عام 1900م إلى انجلترا ، في المنزل الذي أقامت به ، جرى تعيين طاقم جديد من الخدم ، وتم تفتيش حقائبها تفتيشاً دقيقاً ، وتواصلت مراقبتها بصفة دائمة على يد بعض أعضاء الجمعية البريطانية للبحث النفسي .امتدت إقامتها في انجلترا ثلاثة أشهر ، عقدت فيها 88 جلسة ، وقدمت مئات التفاصيل عمن حضروا هذه الجلسات ، تفاصيل تم التحري منها وثبت صحتها ، بل أن بعض هذه التفاصيل تضمنت أحداثاً ، لم يكن الشخص الحاضر يعلم عنها شيئاً .حضور روح المحامي المقتول :
في ذلك الوقت ، فرض نفسه على جلساتها طارق جديد ، هو جورج بيلو ، المحامي الشاب الذي كان حضر إحدى جلساتها ، ثم قتل بعد ذلك بقليل ، ذات يوم ، أعلن دكتور فينوي الذي كان يتكلم على لسان الوسيطة ، أن جورج بيلو موجود ، ويرغب في الاتصال ، بعدها ، حضر أكثر من 30 صديقاً وقريباً للمحامي المقتول ، تعرفت عليهم الوسيطة واحداً واحدًاً .لم يتذكر بيلو أسماء أقاربه وأصدقاءه فقط ، بل تكلم عن أعمالهم وآرائهم وعاداتهم ، وذات يوم قام بترجمة جملة يونانية إلى الانجليزية ، كان قد نطق بها أحد دارسي اللغات القديمة ممن حضروا الجلسة ، عفو اللحظة ، هذا مع العلم بأن السيدة بيبر لا تعرف شيئاً من اللغة اليونانية ، كما استطاع أن يدل الحاضرين على ما يفعله والده في مدينة أخرى وقت الجلسة .الاقتناع بالظاهرة الخارقة للطبيعة :
أقنعت جلسات بليو عن طريق السيدة بيبر الكثير من الباحثين ، وخلصوا إلى أن الأمر فعلًا يتضمن مقدرة السيدة على الاتصال بشخص متوفى ، وكانت آخر تجارب الأستاذ هودجسون ، 17 جلسة حضرها الأستاذ جيمس هيسلوب من جامعة كولومبيا ، متخفياً يضع قناعاً على وجهه .وبلا تردد كشفت السيدة بيبر عن اسمه ، واسم والده ، وذكرت ثروة من المعلومات حول حياته ، ولأول مرة في التاريخ الطويل للأستاذ هيسلوب في كشف خدع الوسطاء وحيلهم ، أصابته حيرة حقيقية ، واضطر آخر الأمر إلى الاعتراف ، بأنه قد استطاع فعلاً أن يتحدث إلى روح والده المتوفى من خلال السيدة بيبر .الاعتزال :
وفي عام 1910م ، اعتزلت السيدة ليونورا بيبر جلساتها الروحية ، نتيجة لحالتها الصحية ، بعد أن شغلت بقدراتها هذه الباحثين لسنوات طويلة ومع هذا ، كانت تقول لكل من يسألها عن هذه القدرة الغريبة التي تتمتع بها : لا أدري شيئاً مما يحث لي وأنا في حالة الغيبوبة.