تحتل الطيور بمختلف أنواعها وأشكالها مكانة خاصة ومميزة بكل أنحاء العالم ؛ لما تملكه من مميزات متعددة خُلقت من أجل الإنسان ؛ حيث هناك من الطيور ما هو غذاء للإنسان ؛ وهناك ما يُستخدم للزينة والاستمتاع برؤيته الجميلة .وهناك من الطيور ما يساعد الإنسان في عمله مثل أبو قردان صديق الفلاح ، ولكن هناك نوع خاص ومميز حيث احتل مكانة تاريخية عظيمة لأنه كان قاسمًا مشتركًا للإنسان في الأوقات العصيبة ؛ فكان عاملًا مساعدًا على مرور بعض الرسائل ؛ ويُعرف هذا النوع من الطيور باسم الحمام الزاجل .الحمام الزاجل هو نوع مميز من أنواع الحمام ؛ تم الاستعانة به قديمًا في ارسال واستقبال بعض الرسائل ؛ حيث كان يُرسلها إلى المكان المطلوب ثم يعود إلى موطنه ؛ كان سريع التنقل بين البلدان ، ويُعتبر ذلك النوع من الحمام ذات أصول أفريقية وخاصة من الجزائر وليبيا والسودان .يتميز الحمام الزاجل بحبه الغريزي الشديد لوطنه ؛ حيث يسافر العديد من البلدان لكنه يعود مشتاقًا إلى موطنه الأصلي ؛ ولا يُمكن له أن يعيش في أي بلد آخر رغم كثرة ترحاله وتنقله ؛ لذلك لُقب بسيد الحمام ، وأثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن ذلك الحمام يمتلك قدرة طبيعية تُمكنه من رسم المجال المغناطيسي للأرض لكي يستطيع الاستعانة بها للعودة إلى وطنه الأصلي ؛ وذلك يوضح خطأ المعلومة التي تقول أنه يستعين بحاسة الشم من أجل معرفة طريق العودة .ذكر أحد الرحالة الإنجليز خلال القرن السابع عشر أن أهل الشام جعلوا سماء بلادهم خالية من الحمام بسبب سقوط حمامة ذات مرة في شباك أحد الصيادين ؛ وحينما أمسك بها وجد رسالة مربوطة في قدمها ؛ وكانت مُرسلة من أحد تجار أوروبا إلى أحد الوكلاء في حلب ، وكان يطلب فيها أن يرسل له الوكيل شحنات من “الجوز” لأن أسعاره ارتفعت في أوروبا .مما جعل الصياد يذهب إلى أحد أصدقائه من التجار ؛ والذي قام بإرسال كميات هائلة من الجوز إلى أوروبا ؛ وكانت بالنسبة له صفقة مربحة جدًا ؛ مما جعل الناس يصطادون الحمام في تلك الفترة لعلهم يجدون به أي رسالة .يستطيع الحمام الزاجل أن يُرشد إلى الكثير مما يبحث عنه علماء هيئة الأرصاد الجوية ؛ وذلك لما يمتلكه من جهاز ملاحي خاص والذي لا يُخطئ ؛ مما قد يوفر الكثير من النفقات الباهظة التي تُنفق من أجل شراء الأجهزة الحديثة والرادارات والأقمار الصناعية .يحتل الحمام الزاجل مكانة تاريخية عظيمة ؛ حيث تم الاستعانة به في الحروب ؛ وقد تم استخدامه لأول مرة في مجال الحرب عام 24 قبل الميلاد ؛ وذلك حينما قامت قوات القائد الروماني ماركوس أنطونيوس بمحاصرة جيش القائد بروتس ؛ فقام أكتافيوس الثالث بالاتصال بالقائد بروتس عن طريق ذلك الحمام الزاجل .يمتلك العرب تاريخًا طويلًا مع ذلك النوع من الحمام ؛ حيث أنهم وُجدوا في مقدمة الأمم التي عرفت القيمة العظيمة لذلك الحمام ؛ كما تمكنوا من معرفة طرق تربيته والاهتمام به ؛ ووضعوا العديد من الدراسات والكتب التي تتحدث عن الأمراض التي قد يتعرض لها وكيفية علاجها .استخدم العرب الجمال والخيل والبغال كأنواع من البريد الذي كان يسهل عليهم ارسال رسائلهم ؛ ولكن مع التوسعات الهائلة للخلافة الإسلامية ؛ أصبح من الضروري وجود طريقة سريعة وآمنة لنقل الأخبار خاصة في ظل الفتن والخلافات التي تفشت آنذاك ؛ لذلك قام العباسيون بالاستعانة بالحمام الزاجل في ارسال وتلقي الأخبار ؛ وذلك نظرًا لسرعته الفائقة وعودته إلى وطنه ؛ كما أن تكلفة تربيته بسيطة ؛ فخصصوا له الأماكن والمربيين .ساعد الحمام الزاجل القادة الكبار في إرسال الأخبار ؛ فكان يقطع آلاف الأميال يوميًا ذهابًا وإيابًا في اتجاهات مختلفة ، وتم استخدامه في العديد من الحروب الموجودة بالعالم ؛ ومن العمليات الحديثة التي تم استخدام الحمام الزاجل فيها ؛ تلك المناورات التي قامت بها فرنسا كنوع تدريبي على إمكانية الاستعانة بالحمام الزاجل كوسيلة اتصال .