هناك العديد من المصادفات أو بوصف أدق أنها أقدار والتي أصبحت فيما بعد مصدرًا لصناعة التاريخ ، ومن هذه القصص التي حدثت في اسكتلندا هي قصة الفلاح فيليمنج ، وهو كان رجلاً يعاني من الفقر المدقع ، لكنه لم يكن يشكو ضيق ذات اليد كما عاش دون أن يتذمر من وضعه البائس ، غير أنه كان مشغولًا بابنه الذي كان يخشى عليه من نوائب الحياة المليئة بالمخاطر .وبينما كان يتجول الفلاح فيليمنج ذات يوم في أحد المزارع ؛ وصل إلى مسامعه صوت مستمر لنباح كلب فأسرع فيليمنج على الفور تجاه الكلب ، وهناك رأى طفلًا صغيرًا يغوص داخل بركة من الوحل وبالطبع بدا على مظهره الشعور بالرعب والفزع وكان يصرخ بصوت مليء بالخوف .قام فيليمنج على الفور بالقفز داخل بركة الوحل بملابسه دون أدنى تفكير وتمكن من الإمساك بالطفل وإخراجه من البركة ، وفي اليوم التالي تفاجأ فيليمنج بزيارة من رجل يبدو على مظهره الثراء والنعمة والهيبة ؛ حيث كان يستقل عربة فاخرة تجرها الخيول وكان يصطحب معه حارسان .كان فيليمنج يتساءل في دهشة عن سر زيارة هذا اللورد الثري إلى بيته الفقير ، ولكن دهشته قد ذابت حينما علم أنه والد الطفل الذي قام بإنقاذه من الموت غرقًا في بركة الوحل ، وتحدث الرجل الثري قائلًا إلى فيليمنج : إذا استمر شكري لك طوال حياتي ؛ فلن أستطيع أن أوفيك حقك ، لقد أصبحت الآن مدين لك بحياة ابني ، وعليك أن تطلب ما شئت من مجوهرات أو أموال أو أي شيء يقر عينك .هنا قال فيليمنج بكل رضا : يا سيدي لقد فعلتُ فقط ما يمليه عليّ ضميري ، وإذا كان هناك أي فلاح آخر في مكاني فحتمًا كان سيفعل ما فعلته ، فإن الطفل الذي أنقذته هو مثل ابني وكان من الممكن أن يكون ابني في مكانه بنفس الموقف ، فأجابه اللورد الثري قائلًا : حسنًا.. إذا كنت تعتبر أن ابني مثل ابنك ، فعليك أن تعطيني ابنك لأتولى مصاريفه بالتعليم حتى يصبح من الرجال المتعلمين لينفع وطنه وأهله .كاد فيليمنج لا يصدق ما يسمع وشعر بالسعادة تغمره لأن ابنه سيتلقى تعليمه داخل مدارس العظماء ، وبالفعل مرت السنون وتخرج ابن فيليمنج من مدرسة سانت ماري للعلوم الطبية ، وقد أصبح هذا الابن من الرجال المتعلمين بل فاق ذلك وأصبح عالمًا مشهورًا ؛ نعم.. إن هذا الابن هو سير ألكسندر فيليمنج الذي قام باكتشاف البنسلين عام 1929م والذي يُعد أول مضاد حيوي تعرفه الإنسانية ؛ والذي ساهم بشكل كبير في القضاء على العديد من الأمراض الميكروبية ، كما حصل ألكسندر فيليمنج على جائزة نوبل .ومن المفارقات الغريبة أيضًا أن ابن اللورد الثري الذي أنقذه الفلاح فيليمنج في صغره ؛ يُنقذه البنسلين في كبره بعد أن أُصيب بمرض الالتهاب الرئوي ، وكان ذلك الصبي هو ابن اللورد راندولف تشرشل ، وقد أصبح ذلك الابن أيضًا من العظماء حيث تقلدّ منصب رئيس وزراء بريطانيا وهو ونستون تشرشل ، والذي قاد مسيرة الحرب ضد هتلر النازي خلال الحرب العالمية الثانية ، وأصبح من أهم الشخصيات التي كان لها الفضل في انتصار قوات الحلفاء على قوات المحور .بدأت القصة بفلاح فقير استخدم إنسانيته لإنقاذ طفل برئ ، ولكنه القدر الذي كان من شأنه أن يجعل هناك اثنين من أهم الشخصيات في التاريخ ، وانتهت القصة بظهور عالم مشهور ورئيس وزراء عظيم .