لاشك أن الدول العربية ، عانت منذ القدم من هجمات كثيرة ، وأوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية مضطربة بشدة ، على مدار سنوات طويلة ، في حقب تاريخية متعددة ومختلفة الشكل والنمط ، وبالطبع أدى هذا الأمر ، إلى فقدان الدول العربية ، للكثير من ثقافاتها النادرة ، والمخطوطات العربية الأكثر ندرة حول العالم ، والتي مثّلت فقدان كنز قيّم لا بديل له .ويقدر عدد المخطوطات النادرة ، في فترة الخمسمائة عام بعد الهجرة ، بملايين المخطوطات والتي كانت محفوظة ، في المساجد والمدارس ودور العلم والمكتبات ، إلا أن الكثير منها فُقد على مدار المراحل التاريخية المختلفة .المكتبة البريطانية ذاخرة بالمخطوطات :
من يتأمل المكتبة البريطانية يجد بها ، اهتمامًا ملحوظًا بالدراسات الشرقية ، فهي تحوي الكثير من المخطوطات العربية المنوعة ، منها مخطوطات لا مثيل لها بالقرآن الكريم ، والعديد من النسخ للأعمال الفلسفية والفقهية ، وعلوم الحديث والقرآن ، إلى جانب الكثير من المخطوطات الفنية والطبية وغيرهم من سائر العلوم .وانتقلت هذه المجموعة النادرة من المؤلفات ، إلى بريطانيا خلال القرنين الثامن والتاسع عشر الميلادي ، وكان السبب في تلك النقلة هو التجارة مع العالم الإسلامي والشرق الأوسط عمومًا ، ومع تواجد المسئولين البريطانيين من سفراء وقناصل .هذا بخلاف احتلالها لعدد من الدول العربية ، كانت الفرصة ثرية للغاية ومتاحة لهم ، ليتحصل هؤلاء على الكثير من المخطوطات العربية النادرة ، من مختلف الدول العربية ، بخلاف الدول التي كان بها جاليات إسلامية كبرى ، مثل الصين وإندونيسيا وماليزيا وعدد من دول غرب إفريقيا .فساعد هؤلاء جميعًا على انتقال تلك الكنوز النفيسة ، إلى بريطانيا على سبيل الهدايا ، أو شرائها من جانب هؤلاء ممن يعملون في تلك المناطق والدول ، ولكن لصالح بريطانيا ، ومع مرور الأعوام ، تحولت المكتبة البريطانية إلى مصدر كبير ، للتعرف على الثقافة والحضارات العربية ، والإسلامية أيضًا .ومن أشهر المخطوطات القديمة في المكتبة البريطانية ، نسخة نادرة من المصحف الشريف ، مكتوبة بالخط المائل ، وتعود إلى العهد الأموي ، وكانت المكتبة قد ابتاعتها من المتحف البريطاني ، حيث قيل أن تلك النسخة كانت بحوزة القس جريفيل جون تشيستر ، والذي كان قد حصل عليها في القرن الثامن عشر ، إبان فترة تواجده بمصر .كان القس تشيستر أحد علماء الآثار ، وكان مولعًا بالتاريخ والمصريات ، وقيل عن نسخة المصحف الشريف تلك ، أنها قد كتبت في الحجاز ، في نفس الفترة التي حصل عليها فيها هذا القس ، ولكن لم يعثر عليها كاملة حتى وقتنا هذا ، وقد أتاحتها المكتبة البريطانية ، بشكل رقمي مؤخرًا .ليست تلك هي النسخة النادرة الوحيدة ، من المصحف الشريف ، فقد حوت المكتبة أيضًا على نسخة أخرى ، تعود إلى القرن الرابع عشر ، كان قد أوصى بها السلطان بيبرس الثاني ، وكذلك نسخة من كتاب العالم ، زكريا بن محمد بن محمود القزويني ، المسمى عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ، وكتاب لابن بطلان يدعى تقويم الصحة ، وينتمي لفترة القرن الحادي عشر ، وهو كتاب طبي نادر ، إلى جانب ديوان المتنبي المكتوب عام 393هـ ، ونسخة من أسفار موسى الخمسة ، كانت قد كُتبت عام 415هـ .علوم العرب في المكتبة الفارسية بإيران :
ليست المكتبة البريطانية هي الوحيدة ، أيضًا المكتبة الوطنية الإيرانية ، تحوي الكثير من المخطوطات لكبار المؤلفين العرب ، في مجالات متفرقة مثل الفقه والأدب والفلك والطب ، وغيرهم الكثير والكثير .حيث تحوي المكتبة كتاب فصوص الحكم لابن عربي ، و مجموعة رسائل ابن سينا ، وكتاب الإمام الغزالي المعروف باسم إحياء علوم الدين ، بالإضافة إلى رسائل السهروردي ، وعدد ضخم من المخطوطات المكتوبة بأيدي كبار الخطاطين ، وعدد من الكتب الحجرية ، والتي يقدر عددها بحوالي ثلاثة عشر ألف مجلد ، منها أربعة آلاف نسخة باللغة عربية .وكانت تلك المخطوطات النادرة قد انتقلت إلى بلاد فارس ، برفقة المسلمين الأوائل ، حيث كانت بلاد فارس محطًا لأنظارهم .فجمعت مكتبة إيران ، أكثر من مائتي ألف مخطوط باللغة العربية ، كانت قد أتت إليها على سبيل الهدايا والعطايا ، فحوت مثل بريطانيا نسخة نفيسة من المصحف الشريف ، كُتبت على الرق بالخط الكوفي ، كتبها سيدنا علي بن أبي طالب ، عام 40 هـ كما كتب في نهاية النسخة، إلى جانب نسخة من كتاب آداب الفلاسفة ، لابن إسحاق تعود لعام 249 هـ ، وغيرها من الكتب والنسخ المهمة والنادرة .