جدي جدي ما هذه الضوضاء المزعجة التي تؤلم الأذان ، وما هذه الآلات الحديدية الضخمة إن صوتها يخوفني ، انظر انظر إنها تدخل عميقًا في البحر وتخرج ثانية وكلما أحدثت صوتًا عاليًا شعرت أن قلبي يدق بقوة وبسرعة وأنه يكاد يخرج من مكانه ، فماذا تفعل هذه الآلات يا جدي ، اهدأ يا حبيتي ولا تخف تعالى يا نورس العزيز لكي أحدثك عن هذه الآلات الضخمة .أنها آلات صنعها الإنسان لكي يصل بها عمق البحر ، بحرنا الأزرق الجميل الرائع يا جدي ولماذا يفعلون هذا ، لكي يبدؤوا مشروع مد الأنبوب الذي يبدأ من جنوب البلاد ، أي انبوب هذا يا جدي ، قال الجد انه أنبوب ضخم وطويل بدأ الأنبوب بوضعه في مياه البحر ليأخذ به كميات كبيرة من الغاز والنفط ، ألا ترى أن مياه البحر قد تغير لونها وأن الأسماء لم تعد تمر من هنا .وما هذه الأشياء الضخمة الكبيرة وما تلك الرائحة الكريهة إنها المصارف ،انظر لهذا النهر الذي يصب في البحر ، يرمي الإنسان نفايات المصانع وإليه تصل نفايات الصرف الصحي والتي تجري باتجاه بحرنا يوميًا ، هذه النفايات لوثت مياه البحر فهذا قسم كبير من الأسماك إلى بحار بعيدة ، أة كما حدث منذ سنين طويلة ، فقال له ما الذي حدث يا جدي أخبرني .لنذهب إلى الميناء القديم أولًا وهناك سوف أحكى لك الحكاية ، منذ سنين طويلة يا صغيري عندما كنت شابًا كان البحر ملئ بأنواعٍ كثيرة من الأسماك وكان الصيادون يعدون بكميات كبيرة منها كلما خرجوا للصيد ، كانت الطيور تشدو أجمل الألحان والفرح يحلق في كل مكان ، وكم كانت الحياة جميلة آنذاك كم كان البحر نظيفًا ونقيًا ، وذات ليلة لم يدرها ضوء القمر هجم على المنطقة وحش غريب جاء من بلاد بعيدة يبحث عن مكان يعيش فيه ، سرق بحرنا وأرضنا وهبت رياح غاضبة وثارت الأمواج وتعالت صرخات كل المخلوقات .هل ترى تلك البيوت المهجورة القريبة من الشاطئ ، هجرها أهلها ، كانوا صيادين وهاجروا وهاجرت الطيور أعشاشها ، ولم تعد وهاجرت أسماك كثيرة وبقيت أنا وجدتك وبعض الأصدقاء والجيران ، واستمرت حياتنا وأكملنا المشوار ، ولم يغيب عنا أمل العودة ، كل هذا حدث يا جدي ، أجل يا ولدي .وما يزيد ألامنا اليوم أننا بدلًا من سماع هذيل الموج أصبحنا نسمع ضجيج الآلات الحديدية الضخمة وبدلًا من استنشاق الهواء النقي نكاد نختنق من رائحة النفايات المنبعثة من الآلات والمصانع وبدلًا من رؤية البحارة عائدين وشباكهم مليئة بالأسماك ، أصبحنا نرى المراكب تعود فارغة وازداد الوضع سوءًا برؤية السماء الزرقاء الصافية ، وقد هاجمتها غيوم الدخان السوداء .يا إلهي لقد تسبب الإنسان بالكثير من الأذى لهذا المكان ، أنت محقُ يا صغيري ، ياه يا جدي كم أتمنى رؤية بحرنا الأزرق نقيًا ونظيفًا ، كم أتمنى رؤية الصيادين فرحين وهم عائدين من الصيد فرحين ومهللين ، سوف اعتكف يا جدي في عشي وأطلب من الله أن تعود جميع أصدقائه الذي هاجروا وأطلب من الله أيضًا أن تهاجر الضوضاء المزعجة بعيدًا بلا عودة وأن تعود الطيور إلى أعشاشها مغردة أناشيد الحرية .