يُروى أنه كان هناك تلميذ في المدرسة ، يقرأ في دروسه كثيرًا ، ولكنها للأسف الشديد لم يحفظها ! فسئمت نفسه من القراءة ، وعزم على ترك المدرسة .الطفل الذي يتعلم السباحة :
وبينما كان هذا التلميذ يقف ذات يوم على شاطئ نهر يفكر في أمره ، وقع نظره على طفل يريد أن يتعلم السباحة ، فرآه في المرة الأولى قطع جزءًا صغيرًا ، ثم عاد إلى الشاطئ ، وبعد أن استراح قطع جزءًا أكبر منه ، واستمر هكذا يزيد شيئًا فشيئًا ، حتى اجتاز النهر بأكمله في المرة الأخيرة .المداومة على الدرس :
فاتعظ به التلميذ ، وقال لنفسه : إن هذا الطفل أمكنه أن يتمم مقصده بمداومته على السباحة ، فكيف بك وأنت أكبر وأعقل منه ؟ وعلم أنه مخطئ في رأيه ، وعاد إلى المدرسة ، وأتم دراسته ، ونجح نجاحًا باهرًا ، وقد فهم معنى المثّل القائل :
من صبر تأنى ، نال ما تمنى ).وفهم أيضًا ما قال الشاعر عن المداومة على الدرس ، حيث قال الشاعر :.. وقلّ من جدّ في أمرٍ يحاوله .. .. واستصحب الصّبر إلا فاز بالظّفر ..طلب العلم يفضل عن العبادة :
ويروى أيضًا أن المجتهد في تحصيل العلم ، ينفع الناس أكثر من العابد ، فقد كان الإمام أحمد بن حنبل رضيّ الله عنه ، ويذكره كثيرًا ويثني عليه لعلمه وفضله ، وكانت له ابنه صالحة تقوم الليل وتصوم بالنهار ، وتحب أخبار الصالحين الأخيار ، وتود أن ترى الشافعي لتعظيم أبيها له ، فاتفق مبيت الإمام الشافعي عند أحمد رضي الله عنهما في وقت .مراقبة ابنة الإمام أحمد للإمام الشافعي :
ففرحت البنت بذلك ، طمعًا في أن ترى أفعاله ، وتسمع أقواله ، فلما كان الليل قام الإمام أحمد إلى أداء صلاته وذكره ، والإمام الشافعي رضي الله عنه ، مستلق على ظهره ، والبنت ترقبه حتى الفجر .فضل العلم عن العبادة :
فقالت لأبيها : رأيتك تعظم الإمام الشافعي ، وما رأيت له في هذه الليلة صلاة ولا ذكرًا ولا وردًا !.فبينما هما في الحديث إذ قام الشافعي ، فقال له أحمد : كيف كانت ليلتك ؟ .. فقال : ما رأيت ليلة أطيب منها ولا أبرك ولا أربح.. فقال : كيف ذلك ؟ قال : لأني رتبت في هذه الليلة مائة مسألة ، وأنا مستلق على ظهري ، كلها منافع المسلمين ، ثم ودعه ومضى ، فقال أحمد بن حنبل لابنته : هذا الذي عمله الليلة وهو نائم أفضل مما عملته وأنا قائم !.المجتهد في تحصيل العلم ومنافع الناس :
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رضيّ الله عنه : ما صليت صلاة منذ أربعين سنة ، إلا وأدعو للشافعي ، فقال له ابنه : يا أبت ، أيُ رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء ؟!! فقال الإمام أحمد : يا بني
كان الشافعي كالشمس للدنيا ، والعافية للناس
، فانظر يا بني هل هذين خلف ؟ويستنتج من هذه الحكاية أن طلب العلم قد يفضل العبادة ، وأن المجتهد في تحصيل العلم ينفع الناس أكثر من العابد ، وأنّ الإمام الشافعي كان عظيم القدر لعلمه ، وأنّ فائدته كانت كالشمس للدنيا ، والعافية للناس .