قوم عاد هم القوم الذين دعاهم نبي الله هود عليه السلام إلى عبادة الله وترك عبادة الأوثان ، ولكنهم لم يستجيبوا ، فصبر عليهم سنوات كُثر ، حتى أرسل عليهم الله ريح صرصر عاتية أطاحت بهم ، وبقصورهم ؛ فلم تبقي منهم أحد ، وصفهم القرآن الكريم {إِرَمَ ذَاتِ العِمَادْ} سورة الفجر الآية 7 .بداية القصة :
في الجزء الجنوبي من جزيرة شبه العرب ، صحراء واسعة ، كثيفة الرمل ، جدباء العيش ، ليس بها حيوان ، ولا بشر تسمى الأحقاف ، وهي الآن جزء من إمارة حضر موت .فهذه الصحراء القاسية لم تكن هكذا في الماضي ، فقد كان الخير يسري فيها سريان الدم في الجسد ، كانت خصبة التربة ذات زروع جميلة ، وينابيع متفرقة ، وخيرات وأعناب ونعم ظاهرة ، وكان الله يسقط عليها أمطارًا غزيرة في أوقات منتظمة من السنة ، فجعلتها أرضًا مباركة لكل من يفكر في العيش بها .عاد ينتقل للأحقاف :
كثرت القصص والأحاديث العجيبة بين الناس عن أرض الأحقاف ، حتى سمع واحد من العرب القدماء عن هذه الأرض ، وما بها من خيرات ، وكان رجلًا شجاعًا ذكيًا ، فأخذ زوجته وأبنائه ورحل إلى هذه الجنة التي طالما سمع عنها .وهناك وجد من الخيرات ما لم يرى من قبل ، أرض خصبة ونباتات مورقة ؛ فأقام فيها دارًا وطابت له العيش فيها هو وأسرته ، ومن ذلك الوقت والأحقاف ملكاً لقوم عاد بن إرم ، ولأبنائه من بعده ، ولم يسمحوا لأحد أن يسكن أرضهم ، وبمرور السنوات تكاثر قوم عاد وزادوا حتى صاروا ثلاث عشرة قبيلة .وكان يتسمون بقوة البدن ووفرة الصحة ، وضخامة الجسم ، فقد بارك الله فيهم كما بارك في أرضهم ، فغزل عنهم القصاصون أعجب القصص .قوم عاد يشيدون القصور :
ولما كثرت الأموال في أيديهم ، بدؤوا ببناء القصور العالية ، وانشأ ملكهم مدينة ضخمة سماها أرم نسبة لجدهم الأكبر ، وجمع في هذه المدينة كل عجيبة ، حتى قال عنه القصاص ، والمؤرخون :أنه لم يبنيها بالطوب اللبن ، إنما بقطع من الذهب والفضة ، ورفع مبانيها إلى ثلاثمائة ذراع ، وبنى حولها سوراً ضخماً ، واستغرق ذلك منه ما يقرب من خمسمائة عام .وبالرغم من كل هذا الخير لم تخلو الأحقاف من الفساد ، فقد كان هناك الغني والفقير ، القوي ، والضعيف ، من يملك المال ، ومن لا يملك ؛ فكثرت الأحقاد بينهم ، وكان القوي يبطش بالضعيف ، ولم يتوقف الظلم والفساد عند ذلك الحد ، فقد نسوا الله وعادوا لعبادة الأصنام التي صنعوها من الحجارة والخشب .دعوة هود عليه السلام :
فأرسل الله تعالى ، لهم رجل عرف بالتقوى والصلاح ، هو نبي الله هود عليه السلام ، فأخذ يدعوهم للواحد الأحد ويذكرهم بدينه ، ويحذرهم من عقاب الله وغضبه ، وحتى لا يحدث لهم مثل ما حدث لقوم نوح عليه السلام .ولكنهم عزفوا عن دعوة هود عليه السلام ، وتمادوا في غرورهم ، فأصابهم الله تعالى بالجدب ؛ فجفت المياه ، وذبلت الأشجار ، وتساقطت الثمار ، وماتت الانعام ، واشتكى الرعاة من قلة الحليب ، وهزلت الماشية والأنعام .عقاب الله لقوم عاد :
تيقن سيدنا هود عليه السلام ، أن ذلك ما هو إلا مقدمات لعقاب الله تعالى لقومه ، فذهب إليهم يدعوهم لعباده الله وحده ، لعلهم يرجعون عن كفرهم ، إلا أنهم لم يستجيبوا له ، وظلوا على كفرهم .و بعد أيام أقبلت السحب من بعيد ، تغطي كبد السماء ؛ ففرحوا ورقصوا ، وذهبوا لسيدنا هود عليه السلام شامتون مهللون بأن الخير قادم لا محالة ؛ فالمطر سيتساقط ويملأ الوديان ، فنظر اليهم بمزيج من اليأس قائلًا : بل هذا عقاب الله ، ريح فيها عذاب أليم .نجاة هود عليه السلام وأتباعه :
جمع هود عليه السلام أتباعه المؤمنين ، وخرج بهم من أرض عاد ؛ لينجيهم من الهلاك الزاحف على قومه ، وبالفعل أرسل الله عليهم العواصف الشديدة ، والرياح الباردة ؛ فأخذت تقلع الأشجار وتهدم البيوت ، وتقذف كل ما يقابلها بعيدًا .واستمر الحال سبع ليال وثمانية أيام متصلة ، ثم انجلت العاصفة ، وهدأت بعد أن أهلكت كل شيء ، ولم يبقى هناك أحد ، ولم تعد الأحقاف كما كانت من قبل ، فمن واد مليء بالمزروعات إلى صحراء خاوية لا تحوي أحد .ذكر قوم هود بالقرآن الكريم :
قص القرآن الكريم علينا ، ذكر قوم سيدنا هود عليه السلام في أكثر من موضع ، ويوجد سورة سميت باسم نبي الله هود عليه السلام هي سورة هود :قال الله تعالى في سورة الأعراف { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71) فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) }.