إن ربك بالمرصاد



لم يدر بخلده في يوم من الأيام، أن يرى نفسه حبيسًا بين فراشه وكرسيه المتحرك، وألفاظ ابنه القاسية تسد مسامعه ليل نهار، فقد كان في كل لحظة من لحظات حياته القاسية، يتذكر والده الذي مات في يوم من الأيام من جراء قسوته عليه، وعاش قبلها سنوات طويلة يعاني من عقوقه، يكاد لسانه لا يفتر عن الدعاء بالرحمة لوالده، والدعاء بالهداية لابنه، وبين ذا وذاك كان يتفكر في حكمة رب العالمين، ويمعن التفكير أكثر في ما فعله في السابق بوالده، وفي ما يفعله به ابنه الآن .

في بداية شبابه، كانت الغشاوة كثيفة أمام عينيه، ونسي واجباته أمام الله تعالى، ومن ثم تجاه والده، نسي أن رضا الله سبحانه وتعالى يستلزم رضا والده عنه .

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رضا الله في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد». [صحيح الترغيب ].

حرص في تلك الفترة السوداء من حياته على رفقة سيئة، وعاقر الخمر، وكان يبحث عن المال بشتى الطرق والأساليب، وعندما يعجز عن الحصول عليه كان يطلبه من والده، ووالده يرفض إعطاءه المال ليس بخلاً، وإنما للحد من فعل المحرمات؛ لأنه كان يعرف أن ابنه يستخدم هذا المال للحرام فقط، وفي لحظة جنونية، تطاول الكلام بينه وبين والده، وتعالت الأصوات، أوعز إليه الشيطان بضرب والده، نعم ضرب والده، ومن هول المفاجأة لم يصد الوالد اعتداء ابنه عليه، ففرح ظنًا منه بضعف والده، فمد يده بكل قسوة إلى محفظته، وأخذ المال الذي يحتاجه لشراء الخمر .

كان متزوجًا ولديه ابن وابنة، وكانت زوجته تتجرع المر من تصرفاته، فقد كانت تعيش في بيت والده، وفي ذلك اليوم الذي اعتدى فيه على والده بالضرب، خرج مسرعًا ليتمتع بهذه الغنيمة التي حصل عليها عنوةً، وكان نصيب والده أزمة صحية مفاجئة نُقل على إثرها للمستشفى، ذهب تلك الليلة إلى رفاق السوء، وقد أماتت الخمر ما تبقى لديه من مشاعر إنسانية، شرب حتى ثقل رأسه، فلم يعد يميز ولا يعي ما حوله، استأذن من رفاقه، وسار متثاقلاً نحو سيارته، وسار بها دون تركيز، وفي تلك اللحظة كان والده يلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى، وتمايلت به سيارته واصطدمت بأحد أعمدة النور، نُقل بعدها إلى المستشفى، ولم يَعِ إلا بعد أيام، وقد خمدت أطرافه السفلية إلى الأبد، وصار مقعدًا يتنقل من هنا وهناك بحسرة وصعوبة، وملامحه المنكسرة توحي بمرارة الندم من الماضي الأليم .

ضاقت زوجته ذرعًا من حالته، وهجرته بعد شهور، اصطحبت معها ولديها في البداية، ولكنها عندما تزوجت أعادتهم للعيش معه في بيت والده، وكانت والدته تقوم برعاية الجميع، ومرت الأيام سريعة، لتنتقل والدته إلى رحمة الله، وتتزوج ابنته، ويبقى ابنه أمام ناظريه، يسلب منه المال عنوة، ويذهب ليسهر مع رفاقه إلى الفجر، ومن ثم يعود مترنحًا مع بداية يوم جديد، كان ينصحه نصائح متذبذبة، ويرى فيه صورته السابقة، ويرى في عقوقه له عقوقه السابق لوالده .

عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة» [رواه النسائي والحاكم]

لاتنسى مشاركة القصة والتطبيق مع اصدقائك

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك