سرعة الضوء : فناء الزمن



استطاع الإنسان على إثر الثورة الصناعية التغلّب على العديد من السرعات الشديدة للكائنات من حوله، فقد تغلّب على سرعة الصقر التي تصل إلى 300 كيلو متر في الساعة، وهو أسرع الكائنات الحيّة على كوكبنا، واستطاع التغلّب على سرعة الصوت في الهواء، والتي تبلغ 1224كيلو متر في الساعة، وقفزة فيليكس خير شاهدٍ على ذلك.

وفي خضمّ تخطّيه لتلك الأرقام القياسيّة، اصطدم بحاجزٍ ضخم يستحيل على أقصى سرعة في الطبيعة مضاهاته فضلاً عن تجاوزه، بل إنّ أقصى ما توصّل إليه الإنسان من سرعة يُعدّ أمراً تافهاً أمام ذلك الحاجز، والذي يسمّى : سرعة الضوء !

سرعة الضوء :

في البداية، يمكن أن نعرّف الضوء بأنّه عبارة عن طاقة إشعاعيّة كهرومغناطيسية، وتشمل تلك التي تدخل في نطاق القدرة البشريّة على الرؤية، وللضوء سرعة تتأثّر بشكل طفيف بوجود عناصر أخرى كالهواء والزجاج، ولكنّها ثابتة في الفراغ.

في النصف الثاني من القرن الماضي، وبعد إجراء الكثير من الحسابات بالغة الدقة، قدّر العلماء سرعة الضوء في الفراغ بنحو متر 458 792 299 متر في الثانية

300000 كيلومتر تقريباً)، الأمر الذي يسمح للضوء بالدوّران حول كوكب الأرض لثلاث مرّات متتالية –تقريباً - خلال ثانية واحدة فقط، وبناءً على ما سبق، تم إعادة تعريف المتر في نظام الوحدات الدولي عام 1983 بأنّه عبارة عن المسافة التي يقطعها الضوء في الفراغ خلال 1 على 458 792 299 ثانية

لعلّك تقول الآن عزيزي القارئ: ماذا لو كنت أستطيع السفر بهذه السرعة؟!
تابع قراءة المقال، وستدهشك الإجابة..

السنة الضوئيّة :

نظراً للمسافات المهولة بين عناصر كوننا الفسيح من كواكب ونجوم ومجرّات وغيرها، اعتمد العلماء ما يسمّى بـ "السنة الضوئيّة" كوحدة قياس لتلك المسافات، والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في الفراغ خلال سنة..

حسناً .. مالم تملك آلة حاسبة تستطيع عرض الأرقام الفلكيّة، فلا تتعب نفسك بالحساب، وحتى أوفّر عليك العناء، فإنّ سرعة الضوء في الفراغ خلال سنة كاملة تساوي –سأضطر لكتابة الرقم في سطر جديد-..
800 580 472 730 460 9 متر، أي ما يزيد على 9 تريليون كيلومتر!

بالقياس على السنة الضوئيّة، يمكن تحديد المسافات بالدقائق والساعات والأيّام الضوئيّة، وهلمّ جرّاً..

فالشمس –مثلاً - تبعد عنّا بنحو 8 دقائق ضوئيّة، أي المسافة التي يقطعها الضوء خلال 8 دقائق، ولو افترضنا أنّ أحداً يهاتفك من الشمس –ما لم يتبخّر على مشارفها-، فإنّه لو بادر بقول: ألو، فإنّك لن تتمكّن من سماعها قبل مرور 8 دقائق، وفي المقابل، فإنّ وصول ردّك إليه سيستغرق الوقت نفسه.

وحتى تتّضح الصورة، فإنّك حين تلتفت إلى السماء لترى الشمس، فأنت في الواقع لا تراها على حقيقتها اللحظيّة، لأنّ حال الشمس الذي تراه في تلك اللحظة متأخّر عن واقعها بثمان دقائق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النجوم -على سبيل المثال-، فلو افترضنا وجود نجم يبعد عن الأرض بنحو 50 سنة ضوئيّة، فإنّنا في اللحظة التي نشاهده فيها، لا نرى سوى ماضيه السابق لتلك اللحظة بخمسين سنة، بينما يكون قد غادر مكانه منذ زمن، أو انفجر فتحوّل إلى رمادٍ كوني أو ثقب أسود، فالضوء الصادر منه قد استغرق 50 سنة حتى وصل إلى الأرض واستطعنا مشاهدته، ولكي نتمكّن من معرفة حاله في اللحظة التي نراه فيها، فإنّ علينا الانتظار لخمسين سنة أخرى!

هل فكّرت في المدّة التي يستغرقها وصول الرد منك وإليك مع شخصٍ يهاتفك من ذلك النجم؟!
لا أعتقد أنّنا نملك العمر الكافي لإتمام المكالمة!

ماذا لو استطعنا السفر بسرعة الضوء؟!

حسب النظرية النسبية لأينشتاين، فإنّ هناك علاقة عكسيّة تربط بين السرعة والزمن، فكلّما ازدادت السرعة، تباطأ الزمن وانكمش، حتى يتوقّف الزمن تماماً عند سرعة الضوء –في الفراغ-، والسؤال الذي قد يتبادر إلى أذهاننا، ماذا لو تمكنّا من السفر بتلك السرعة؟!

دعنا نفترض أنّك تملك مركبةً تسير بسرعة الضوء، وأنّك قرّرت السفر إلى نجمٍ يبعد عن الأرض بمقدار 1436سنة ضوئية، وحين وصلت إلى ذلك النجم، قمت باستخدام منظارٍ يمكّنك من مشاهدة كل ما يجري على كوكب الأرض، هل تعلم ماذا سترى؟!

حين توجّه ذلك المنظار نحو منطقة المدينة المنوّرة –مثلاً - فربّما ترى النبي –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام يعدّون العدّة لخوض معركة بدر مع قريش، أو لعلّك تشهد فرحة نبيّنا بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرّفة.. بعبارة أخرى، أنت تشاهد الأرض في السنة الثانية للهجرة، أو سنة 623 - 624 للميلاد، وأينما تجوّلت بمنظارك –الخارق- على كوكب الأرض، فإنّك لن ترى شيئاً ممّا يجري في العالم الأرضي الحديث، وإنّما ستشاهد حال الأرض قبل 1436عاماً من الآن!

لو عدت من رحلتك فإنك سترى الأرض و قد مرت عليها عدة قرون !
حسناً ، لنقل أنّك سرعان ما اشتقت للعودة إلى كوكب الأرض، الكوكب الذي يضمّ أهلك وأحبابك وكلّ ما يمتّ إليك بصلة، فقرّرت مغادرة ذلك النجم الساكن الموحش عائداً أدراجك نحو الكوكب الذي تنتمي إليه.. لا أبالغ إن قلت بأنّك ستصعق ممّا ستراه حين تصل..

في الحقيقة، كوكب الأرض حينها سيكون قد مرّ بعدّة قرون منذ غادرته.. بينما لم يمضِ من عمرك سوى النزر اليسير، لعلّها عدّة أيّام!

ما حدث هو أنّ الزمن كان متوقّفاً بالنسبة إليك أثناء رحلة الذهاب والإياب نظراً لسرعة الضوء التي تسير بها مركبتك، ولكنّه لم يكن كذلك بالنسبة إلى سكّان كوكب الأرض، وبسبب الفترة الوجيزة التي قضيتها على ذلك النجم، فقد ازداد عمرك بمقدار قليل، بينما كان كوكب الأرض يجتاز قروناً تعادل المسافة الضوئية بينه وبين النجم الذي كنت عليه - 1436 عام-!

قد يقول قائل : ماذا لو أردت استخدام سرعة الضوء في السفر على كوكب الأرض؟!

لا بأس، لنفترض أنّك ذهبت بصحبة أهلك إلى إحدى محطّات قطارٍ يسير بسرعة الضوء، ثمّ قاموا بتوديعك عند تلك المحطّة متمنّين لك الوصول بالسلامة، وما زالت أنظارهم محدّقةً إليك حتى صعدت القطار الذي سرعان ما انطلق.. مالذي سيحدث؟!

ما سيحدث هو أنّك ستشاهد أهلك وهم يغادرون المحطّة رغم تحرّك القطار، والسبب هو سرعته المضاهية للضوء، والتي تجعل القطار يبدو وكأنّه لم يبارح مكانه أصلاً ، فيتوقّف الزمن بالنسبة إليك، وتتمكّن من مراقبة أهلك وهم يغادرون المحطة!

اعذرني على الاستطراد، ولكن.. ماذا لو كان ذلك القطار يسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء ، هل يعود الزمن للظهور من جديد ؟!

لن أستغرب اندهاشك حين أجيب بأنّك لن تتمكّن من رؤية أهلك فقط، بل سترى نفسك وأنت تودّعهم عند المحطّة.. بمعنى آخر، سيبدأ الزمن في العودة إلى الماضي!

في الختام..

ما مضى من أمثلة هي مجرّد افتراضات يطرحها العلماء، وإلّا فمن المستحيل علميّاً أن يجاري الجسم سرعة الضوء فضلاً عن أن يتجاوزها، ولو حدث ذلك، فإنّ الجسم سيتحوّل فوراً إلى طاقة، والمركبات الفضائيّة التي تسير بسرعة الضوء في أفلام الخيال العلمي، كانت لتتبخّر بطاقمها على أرض الواقع.. دمتم بخير.

لاتنسى مشاركة القصة مع اصدقائك

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك