هناك من المعارك ما قام بين المسلمين وبينهم البعض نتيجة لوجود الفتن وانقسام جموع المسلمين في جهات مختلفة ، وقد كانت معركة البحيرة التي تُعرف أيضًا باسم موقعة البستان واحدة من أشرس المعارك التي وقعت بين المسلمين في بلاد المغرب ؛ وبالتحديد بين المرابطين والموحدين .
خلفية تاريخية : كانت معركة البحيرة إحدى أعنف المعارك التي حدثت في المغرب ، والتي وقعت من جهة بين أتباع محمد بن تومرت وهو مدعي المهدية ؛ وقد أطلق أتباعه على أنفسهم اسم “الموحدين” ، ومن جهة أخرى كانت الدولة المرابطية وهي الدولة الحاكمة في الأندلس والمغرب .
كان محمد بن تومرت قد ادعّى المهدية في شهر رمضان من عام 515هـ ، وقام خلق كثير بإتباعه وتصديقه وهم من قبائل مصمودة البربرية ، فاتجهوا إلى الوقوف ضد الدولة المرابطية التي تعود أصولها إلى قبائل الصناهجة ، حيث أن ابن تومرت اتخذ قراره بالدعوة إلى الكفاح المسلح من أجل العمل على إسقاط دولة المرابطين .
وقد كانت دولة المرابطين في ذلك الوقت ضعيفة وواهنة ، كما أن الفساد كان قد تفشى بها ، على الرغم من كونها دولة جهادية سلفية العقيدة وساهمت في نشر الدين الإسلامي في وسط وغرب أفريقيا ، وقامت كذلك بخدمة الإسلام في الأندلس يوم الزلاقة خدمة عظيمة ، ولكن المعاصي قد تمكنت منها فظهر فيها الضعف والفساد .
وكان ضعف المرابطين نتيجة لافتتانهم بالدنيا بعد كثرة جهادهم في سبيل الله ، ويعود السبب في ذلك كما يصفه العلماء بأنهم قد انشغلوا بجانب واحد فقط من الجوانب الإيمانية وهو الجهاد ، وأهملوا الجوانب الأخرى مثل تعليم الناس أمور دينهم الصحيحة ، وهو ما أدى إلى كثرة الذنوب والمعاصي والتي أثرّت بشكل مباشر على دولة المرابطين ، لتصل إلى حالة شديدة من الوهن آنذاك .
ولقد كانت بداية الصراعات المسلحة بين الموحدين والمرابطين منذ عام 517هـ ، حيث أن الموحدين منذ ذلك الحين كانوا يتمكنون من تحقيق النصر تلو الآخر ويُلحقوا الهزائم بالمرابطين ، حتى بلغ عدد انتصارات الموحدين أربعين انتصارًا ، وقد وصل الموحدون إلى عاصمة المرابطين وهي مدينة مراكش ؛ وهناك قاموا بفرض حصارهم .
شعر المرابطون بالغضب الشديد بعد هذا الحصار المفروض على عاصمتهم ، وهو ما جعل أميرهم علي بن يوسف بن تاشفين يخرج بنفسه على رأس جيش جرار ، حيث وقع الصدام مع الموحدين عند بستان كبير واقع أمام أحد أسوار مراكش ، وفي اللغة البربرية المحلية يُعرف البستان باسم “البحيرة” ، ومن هنا جاء اسم معركة البحيرة أو موقعة البستان .
المعركة ونتائجها : وقد درات المعركة بين الموحدين والمرابطين يوم 2 من جمادي الأول لعام 524هـ والموافق يوم 11 إبريل لعام 1130م ، وكانت تلك المعركة في منتهى الشراسة والقوة بين الطرفين ، غير أنها انتهت بوقوع كارثة مفزعة على الموحدين ، حيث قُتل جيشهم كله إلا أربعمائة شخص فقط هم من تبقوا على قيد الحياة بعد المعركة ، كما قُتل معظم قادة الجيش أيضًا ، فكان ذلك بمثابة الصاعقة التي حلّت بالموحدين .
وكان محمد بن تومرت مدعي المهدية مريضًا في ذلك الوقت ، وحينما وصلته أنباء هزيمة جيشه الشنيعة ؛ اشتد عليه المرض حتى وافته المنية بعد هذه المعركة بوقت قليل ، وهكذا انتهت انتصارات الموحدين بهزيمة ساحقة غير متوقعة نتيجة لما حققوه في السابق ، ولكن جاءت معركة البحيرة لتصعق انتصاراتهم التي دامت لسبع سنوات في تلك الفترة .