زاهر ، شابٌ في الثلاثين من عمره ، منذ بلوغه سنّ الرشد ، كان حلم حياته هو رؤية الابتسامة على وجه كل انسان في هذه الحياة ،
بدأ زاهر عمله بعدما أنهى دراسته والّتي اختصّت بالإرشاد النفسي ، واتّجه نحو العالم الصغير ليرى المكان الّذي يمكن أن يرسم فيه البهجة على وجه البشر ،
قدّم أوراقه للعمل عند طبيب أمراضٍ نفسيّة كمساعدٍ لهُ ، وتمّّت الموافقة على طلبه ، فانطلق لعمله من صباح اليوم التالي بابتسامةٍ خفيفةٍ ، ووجهٍ سعيدٍ ،
التقى الطبيب بلال ، وبعد أن اتّفقا على كلّ شيء ، أخذه لمكتبه الخاص بعد المصافحة القويّة،
جلس زاهر في مكتبه ، وبدأ ينظر للجدران ولونها ، وللأرض ، ولكل زاوية في ذاك المكتب ، فمن خلال أبحاثه كان يعرف أنّ تلك الألوان تؤثّر على شخصيّة المريض ،
أخبر الطبيب ببعض التعديلات الّذي سيجريها بمكتبه ووافق على الفور لأنّه يعلم حماسة الشباب جيّداً ، دخل أوّل مريضٍ للعيادة ، كان شابّاً في العشرينيات من عمره ،
تظهر عليه علامات اليأس ، استقبله زاهر بنظرةٍ هادئة ، وقال له بصوتٍ خفيف عند المصافحة : يالك من شابٍّ رائع ، وماهذه الثقة الموجودة فيك ،
فأشار المريض لنفسه بقوله : هل تقصدني أخي؟ أجابه : نعم أقصدك أنت ، مجرّد رغبتك في مراجعة الطبيب النفسي هي خطوة جريئة ، باركك الله ،
تغيّرت ملامح المريض من الحزن والكئابة ، إلى فرحٍ وابتسامةٍ ظهرت على وجهه البائس ، ودخل لغرفة الطبيب بثقةٍ كبيرة ،
شعر زاهرٌ بفرحٍ كبير ، فقد نجحت محاولته الأولى ، ياللروعةِ ، وبعد دقائق دخلت امرأة ستينيّة في العمر ، هي مريضةُ قديمة ،
أجلسها ، واطلع على أوراقها ، فعلم برغبتها بالانتحار بسبب عجزها وضعفها عند كِبرِها بالسنّ ، فخاطبها بشكلٍ قويٍ : يالك من أم رائعة ،
منذ دخولك المكتب رأيت الحنان الّذي فيكي ، كم أتمنّى أن أكسب يوماً ما خبرتك في الحياة ، وقبّل يدها منحنياً ومحترماً ، ردّت عليه العجوز : رضي الله عنك يابنيْ.. ،
وبدت السعادة واضحة على وجهها ، واتّجهت للطبيب والسعادة تغمرها ، توالت الأحداث ، وكلّ شخص يلتقي بزاهر عند الدخول ، يستقبله الطبيب وهو بأفضل حالاته ،
حتى الطبيب نفسه عندما يأتي عابساً بسبب مشكلة مع زوجته ، يتحدّث لزاهر عن ماحصل وكالعادة زاهر ينجح في اخراجه من حالته ،
وأصبحت العيادة مليئة بالمرضى كل يوم ، وزاهرٌ لايكلُّ ولا يملُّ من إدخال الأمل لقلوب البشر .
تقدّم بطلب اجازة لأسبوع ، أراد به الخروج للحياة قليلاً ، سافر لأحد المدن الجميلة في دولته ،
وعند سيره بأحد شوارعها ، التقى بفتاةٍ جميلةٍ تعمل بائعة حلوى في الطرقات
سارة
، الحزن كان واضحاً على وجهها ، ذهب إليها ، وبدأ يسمعها أجمل الكلام العذب ،
ماأجمل حماستك في العمل ، عيانك أجمل عينان ، أناملك وهي تحضّر الحلوى تجعلها كالعسل ، ولكنّها ترد عليه ببرود كبير وبنفس الكلمة ، شكراً لك ، ماذا تريد،
بقي معها ساعتين وثلاث عبثاً دون النجاح في إسعادها ، لم يستسلم ، وأصبح يرافقها كل يوم عند عربة الحلوى ، يقدم لها الورود ، يهديها قصائد ،
حتى شعر بالاستسلام الكبير ، وضاعت تلك الابتسامة من وجهه البريئ ، عاد للعمل في العيادة ، وكالعادة المرضى يركضون نحوه ، ولكن أين زاهر!!؟
نعم لم يعد كما كان ، أصبح الحزن لا يفارق وجهه ، والكئابة ملتصقةٌ به ، أسبوع واحد فقط كان كفيلاً بمقاطعة المرضى للطبيب ، ممّا اضطّر الطبيب لطرده من عمله..
أصبح زاهر يقضي وقته في الحديقة ، بين الأشجار ، شعر بأنّه فقد امكانيته على مساعدة الناس ، حتّى التقى بشابٍّ معاقٍ ، كان يقف أمام النهر يستعدُّ للانتحار ،
ناداه يا صاح ، ماذا تفعل ؟ ، ردّ بصوت عالٍِ : لقد سئمت من هذه الحياة اللّعينة ، سحقاً للقدر ، أصبت بحادث سير ، وأصبحت معاقاً لا أستطيع المشي على أقدامي ،
وقد كنت لاعب كرة محترف ، كلّمه زاهر بتمتمات جميلة ، صديقي ، الانتحار ليس الحل ، صحيح أنّك فقدت أقدامك ، ولكنّ ذاك الكرسي يليق بك كثيراً ،
رأيتك كيف تتحكّم فيه كلاعب كرة بارز ، لماذا لاتمارس كرّة السلّة الخاصة بالعجزة؟ إنّها لعبة جميلة ، ومتأكّد أنّك ستكون الأفضل ، ابتسم الشاب المعاق ، وابتعد عن فكرة الانتحار،
وعندما رأى ابتسامته ، شعر بأنّ قدراته على إسعاد الناس عادت من جديد ، فأصبح يعملُ كـ رسّامٍ في الحديقة ، يرسم الورود ويقدّمها للعشّاق ، مع بعض الكلمات الرائعة ،
يرى عاشقين متخاصمين ، يرسم لهما وردة الصلح ، متحابين يرسم قلب وبه العروسين ، وبفترة وجيزة ، عاد لزاهر لجماهيريّته السابقة ، حتى بدأ يظهر للاعلام ، والصحافة ،
نعم ، إنّه أكثر شخص في العالم ينجح في رسم علامات السرور على وجوه البشر ..
قرّر زاهر السفر لتلك المدينة بعد غياب 3 سنوات عنها ، المدينة الّتي قلبت حياته كاملةً ،
الّتي أدخلته في جوٍ كئيب ، وبالفعل سافر ، وعند وصوله ، اتّجه لأحد الفنادق ، فوجد ازدحاماً شديداً على بابه ،
نظر خلسةً ، آه ، نعم إنّها هي ، هي تبتسم ، تضحك ، الناس يحبّوهاّ! ، آه! أيعقل هذا؟ ، ركض نحوها فرأته ، نظرت له وابتسمت ابتسامةٍ عريضةٍ اتّجهت إليه ،
أصبح يسألها كيف ؟ لماذا؟
مالّذي حصل؟ حاولت معك بكلّ الطرق لم أنجح ، بدأت تبكي وتضحك بنفس اللّحظة وتقول له ،
عندما بلغت الثامنة عشرة من عمري ، أصيب أخي الصغير (17عام
بحادث سيرِ أليم، بترت ساقه اليمنى بسببه ،
والساق الأخرى أصيبت بشلل ، أمّي متوفية وليس لي سوى أخي في حياتي ، ضاعت ابتسامته 5 أعوام متتالية ،
لم أستطع الابتسامة ولا حتى الضحك لحالته .. ، كنت فقط أعمل لتأمين قوتنا اليومي ،
حتّى جاء أخي لي ، مبتسماً ويقول : عندما كنت سأرمي نفسي إلى النهر عند سفري لتلك المدينة ، اقترب شابٌّ منّي ، وبدأ بتقديم النصح لي ،
أقنعني بالانضمام لفريق السلّة للعجزة ،أعاد لي ابتسامتي ، ومن حديثه عرفت أنّ ذاك الشاب هو أنت ،
سافرت وبحثت عنك ولكن علمت أنّك طردت من العمل ، أنت يازاهر ، أنت من أعاد لي ولأخي الابتسامة ، أشكرك جداً ،
وبدأت بالقول له : أن رائع ، أنت عظيم ، أنت هائل ، ابتسم وهو يردد :أول شخص يقوم بمدحي بهذه الكلمات ، نظرا لبعضهما نظرة حبٍ وشوق كبير ، عانقها بشدّة أمام الجميع مع سماع صوت
الصفارات والتصفيق الحار ، تقدّم للزواج منها ووافقت على الفور ، وبعد شهرٍ ، تزوّجا وأقاما أكبر عرس بالتاريخ بنسبة أكبر حضور بسبب رسمهما الابتسامة على وجوه أكثر البشر...