رواية طالبة ولكن (الفصل الثالث عشر)



عبد الرحمن يتصل بعلياء بعد أن كانت تتصل به ولا يرد لفترة منذ آخر لقاء في منزلها.. ردَّت علياء فأتاها صوت عبدالرحمن قائلًا:
-السلام عليكم
- وعليكم السلام.. أين كنت؟
- لقد وصلتني رسالة جديدة.. يجب أن نتقابل.
- ماذا؟ رسالة من الدكتور؟
-ليس بالضبط، نتقابل اليوم أمام مدخل جامعة القاهرة.
- لماذا هي بالذات؟
- مزدحمة ولها أكثر من مخرج إن احتجنا للهروب، وبها كثير من المناطق التي يمكن الجلوس فيها منفردًا دون جذب النظر.. ميعادنا الساعة الخامسة، تأكدي من عدم تتبُّع أحد لكِ.
- تمام..

سيطرت الحماسة على علياء وكأن التهديد لم يكن).

تقابل عبد الرحمن وعلياء، وبعد أن جلسا.. تكلمت علياء بنبرة اعتذار:
-أتمنى ألا تكون غاضبًا من كلام نور فهي حقًا لا...
عبد الرحمن(مقاطعًا):
-لا عليكِ.. منذ رأيتها أول مرة وكنت أعلم أنها طيبة، ولكن لا تملك لسانها.
علياء(بفضول):
-أين الرسالة؟
- هيَّا بنا.. لتريها..
- أليست معك؟
عبد الرحمن(وهما يسيران):
-ليست معي، إنها مُرسَلة على مجموعة قد أنشأتها أنا والدكتور منذ سنين على "الفيس بوك" ولم يتابعها الدكتور بعد انشغاله..
- ما اسمها؟
- "عصير الكتب" إنها ملتقى للقراء والقراءة والكت...
علياء(مقاطعة):
-فهمت من الاسم.. ولكن كيف علمت أنها منه.
- هناك ثلاث حسابات لهم حق إدارة المجموعة..
أحدهم لي والآخر للدكتور والثالث باسم المجموعة ولا أحد يعلم كلمة السر إلا أنا وهو.. وقد سألني عليها منذ شهرين تقريبًا واستغربت سؤاله.. وطلب منِّي أن أعلمه إياها إن غيَّرتها مجددًا.
- فهمت.. ولكني أري أنك قد غيَّرت من مظهرك.. إنني لم أتعرَّف عليك في البداية.
عبد الرحمن( مبتسمًا):
-محاولة للتخفي.. فهناك الآن من يحاول أن يؤذينا ولا بد أن نحتاط.
- بعد ارتدائك ملابس الشباب تلك.. وحلاقتك للحيتك.. لا أظن أحدهم قد تعرَّف عليك.
- أنصحك بالمثل.. لا أقصد حلاقة اللحية بالطبع.

موجة من الضحك وهما خارجان من باب الجامعة ليذهبا لمكان آخر يستطيعان فتح الإنترنت فيه بحرية أكثر).
- كان من الممكن أن تطبع الورقة لتكون معنا في أي وقت.
-إن كلام نور جعلني أفكر فيما نحن فيه.. ولقد رأيت أن الموضوع أكبر مما أعتقد..
فهناك شخص قد قُتِل.. وهناك تهديد لنا أيضًا بالقتل من شخص يعرف الكثير عنَّا.. وهناك سبب جعل الدكتور يرسلها في هذه المرة على المجموعة.
- ما هو؟
عبد الرحمن(بصوت خفيض لنفسه): "لا تضع البيض في سلة واحدة".
علياء(متسائلة):
-ماذا؟
- لقد ردد يوسف دائمًا تلك العبارة.. فإذا سافر فهو يأخذ معه بعض الأموال.. ويرسل الباقي عن طريق حوالة بريدية فلا يضع البيض كله في سلة واحدة.. كذلك كان مُصِرًّا على أن تكون كلمة السر لحساب "الفيس بوك" الخاص المجموعة مختلفة عن كلمة السر الخاصة بنا، وذلك في حالة إنسرق أحد حسابتنا لا يسرق هذا الحساب أيضًا.. وهذا تطبيق آخر لهذه المقولة.
-حسنًا لقد فهمت.. أظن أنه يجب أنأرى هذه الرسالة.. خاصة أننا لم نفهم الرسالة السابقة.
- إنها كانت على مجموعة.. لذلك لم تكن رسالة مكشوفة.. ولذلك اتصلت بك.. لقد أردت أن أكمل وحدي حتي أجنِّبك كل هذا.
علياء(بغضب):
-ليس قرارك وحدك حتى تتصرف ثم...

سكتت فجأة وتوقفت عن المشي)، وسألته:
-كيف تم إرسال هذه الرسالة؟
- قلت لكِ على المجموعة حيث...
علياء(مقاطعة باندفاع):
-أعرف أنه على مجموعتك ومن حساب لا يعلمه سوىأنت والدكتور، واستطاع الدكتور أن يرسل لك الرسالة.. هل وجدت أي شيء غريب فيما قلت؟
- لا..
-إن الدكتور ميت.. لا يمكنه أن يرسل تلك الرسالة.
- قد يكون أحد معاونيه أو..
علياء(مكمِّلة كلامه):
-أو من هددنا..
- لقد احتطنا جيدًا حتى لا تتم سرقة هذا الحساب.. لا أظن من فتحه قد سرقه، أظنه قد أخذ كلمة السر برضا الدكتور.
-أو بتعذيبه..
عبد الرحمن(موبخًا):
-أيعذبونه لأجل كلمة سر حساب على "الفيس بوك"؟
- لا أعتقد.. ولكني لا أثقأيضًا.
- ولكن ماذا يضرنا إن قرأناها.. وإن كان الأمر ضخمًا لدرجة أن يوسف كان يعلم أنه سيُقتَل.. أتظنين أنه يعتمد علينا فقط؟
-هل تقصد أن هناك من يساعدنا بأوامر الدكتور؟
- ليس بعيدًا، فكما قلت لكِ، يوسف لا يضع البيض كله في سلة واحدة أبدًا.. وإن كان هناك في تلك الرسالة أي شيء يثير الريبة كطلب معلومات عننا مثلًا أو ما شابه سنفهم أنها من أحدٍ غير يوسف.

عبد الرحمن(وهو يفتح صفحة في موقع تجاري): لقد مسحت رسالته من المجموعة بعد أن نسختها في مكان أمين لأضمن عدم الوصول إليها.. ها هي.
تبدأ علياء القراءة وقد تملَّكها التركيز:
"كلمة أخيرة.. ودعوة مفتوحة للنقاش، سأحكي آخر قصصي وأترك لكم المجال.. أغلبكم قد قرأ عن عالمي الأحياء المشهورين مندل و داروين ، فهما من أشهر علماء الأحياءالآن.. ولكن هذا لم يكن الحال في حياتهما.
فهما عاصرا بعضهما.. ولكن داروين قد احتل النصيب الأكبر في الشهرة العالمية لأنه قدَّم ما يحب الناس الكلام عنه.. حيث كانت نظرية التطور التي طرحها

داروين من أكثر النظريات إثارة للضجة والدراسة وأكسبته شهرة عالمية..
على الرغم من خطئها وتحقيرها للإنسان حيث اعتبر أنالإنسانأصله من حيوان وقد تطوَّر مع مرور الزمن.. ولكن الناس يحبون الموضوعات الجدلية غير المفيدة بوجه عام، بينما تقدَّم مندل لاختبار ليكون مدرِّسًا أكثر من مرة وفشل..
وكذلك عندما نشر قوانين الوراثة الناتجة من تجربة البازلاء المشهورة لم تحظَ بأي تقدير علمي.. لانشغال العالم بنظرية التطور لداروين.. ومع مطلع القرن العشرين لاحظ العلماء أهمية ما نشره مندل ، ولكن بعد موته فلم يتمتع بشهره أو بتقدير أو بمال..
ما أقصده هو قد تجد المخطئ له تأييد ولو على حق المصيب.. كم مرة بحثنا عن أشياء لنجدها مباشرة أمامنا، ولكننا لا نلاحظها لأننا تعوَّدنا على وجودها؟وسؤالي هو لماذا لا ننظر تحت أقدامنا فما تحت أقدامناإنتخطيناه لن نستطيع رؤيته ثانية.. لكم الإجابة.
إ.م."
بعدما أنهت علياء الرسالة تحدث عبد الرحمن قائلًا:
- بالطبع، لم يكتب إمضاء ميت لأنها ستلفت النظر إليه.
- فهمت ذلك.. ولكن ما مناسبة هذا الكلام على المجموعة؟
- من عادة المجموعة إقامة النقاشات بين الأعضاء وغالبًا ما أنشر موضوع النقاش من حساب المجموعة.. وهذا لن يراه الناس سوى أحد مواضيع النقاش التي أثرتها.
- حسنًا.. ما رأيك فيما قرأت؟
-لقد قرأته مسبقًا ولا أرى ما يجب أن نراه.. ماذا رأيتِ أنتِ؟
-لا شيء.. إنها الرسالة الثانية التي تقص لنا قصة لا نفهم مغزاها.
- أظن أن الأمل بتلك الرسالتين لأنه لا يوجد رسائل أخرى.
-أفهم ما تقصد.
- جيد.. لأن هذه هي كلمة يوسف الأخيرة كما قال.

يتبع....

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك