رواية طالبة ولكن (الفصل الاول)


الأصوات كثيرة متداخلة.. قد تصلك منها همهمات غير مفهومة أو ضحكة عالية أو اسم لاعب أو مغني مشهور.
هذا هو الحال في مُدرَّج كلية الصيدلة جامعة القاهرة، صخب دائم قبل محاضرات الفرقة الثالثة.
بين كل ذلك تجد علياء تلك الفتاة التي تجلس في الصف الثاني وتضع سماعة أذنيها وتقرأ في رواية أمامها.. تتوقف الموسيقي لوصول رسالة لهاتفها.. تبتسم فهي تنتظر هذه الرسالة وتعرف مضمونها.. تفتحها: "آسفة على التأخير.. في الطريق"
تلك الرسالة كانت من نور صديقتها دائمة التأخير.
تنظر علياء في ساعتها لتجدها 9:50 فتأمل أنتصل نور سريعًا قبل أن يأتي دكتور يوسف فهو لا يتأخر ولا يسمح بالدخول لأحدٍ من المتأخرين.. تصل نوربعد ذلك بخمس دقائق.. تتبادلان السلام ثم يدخل الدكتور يوسف بعدها..
الدكتور يوسف حمدان هو دكتور وعالم في مجال العقاقير والكيمياء الطبية.. قد يتبادر لذهنك بعد استعمالنا لفظ(عالِم) أنه شخص طويل ونحيف ذو عينين غائرتين تحت نظارة صغيرة وذقن خفيفة ودائم التلفت في كل الاتجاهات.. قد تظن أنه لا يعتني بمظهره وأنه غامض ولا يتكلم كثيرًا.. أيًا كان من زرع هذه الصورة في أذهاننا فقد ظلم الكثير من العلماء.. ولكنه كان منصفًا مع الدكتور يوسف.فهذا ما هو عليه بالضبط.. ينظر في ساعته تلك الساعة الصغيرة ذات اللون الذهبي التي لا تفارقه..فإذا بها العاشرة تمامًا..
يشير لأحدهم ليغلق أبواب المدرج.. ويبدأ المحاضرة كانت المحاضرة في مادة الكيمياء الطبية وسأوفر لنا الوقت ولن أصف ما قيل في المحاضرة.. وإن وصفت لك فلن تفك طلاسمها.
انتهت المحاضرة أخيرًا الساعة الثانية عشر.. فيجمع الدكتور أشياءه في حقيبته ويهم بالانصراف ولكن قبل أن يخرج..
يقول صوت من آخر المدرج: لو سمحت يا دكتور ما هي إجابة سؤال الأسبوع الماضي؟
فيبتسم الدكتور: لقد كان صعبًا، ولكني واثق أن أحدهم قد أجابه.. هل سيذكرني أحد بالجملة؟
فتقول إحدى الطالبات:الحب يسع الأجانب (حكمة).
يسأل دكتور يوسف(مبتسمًا): من أجاب عليه؟
ترفع علياء يدها من ضمن القِلَّة التي تمكنت من الإجابة، كما أنها الوحيدة التي أجابت سؤال الأسبوع السابق أيضًا.
وقف الدكتور قليلًا ينظر لعيون الطلاب المتعلقة عليه بتركيز، لقد كان شغفهم بمعرفة الحل بادٍعلى وجوههم ولا توجد لحظة يشعر فيها الدكتور بالنشوة أكثر من تلك اللحظة، فهو على الرغم من تواصله مع الطلبة وتواضعه معهم يجد حاجزًا بينه وبينهم لا يستطيع كسره أبدًا.. ولكنه في تلك اللحظة دائمًا يشعر أنه استطاع أن يكسره.. لقد أحبَّ تلك الأسئلة أكثر منهم.
أشار لعلياء مؤذِنًا لها بالإجابة، فقالت(بسرعة):
-السعي باب النجاح.
الدكتور: صحيح.

لحظة هدوء ثم صخب في المدرج)يقطعه الدكتور:
-لا يوجد أسئلة هذا الأسبوع للتفرغ لامتحانات نصف العام، لقد اقتربت.
قالها وانصرف.
والأسئلة هي أسئلة "جناس صحفي" وهي لمن لا يعرفها هي إعادة ترتيب حروف جملة لا تعطي معنى أو فائدة للحصول على جملة ذات معني وفائدة.
قد تسأل ما علاقة دكتور في كلية الصيدلة وعالم عقاقير وكيمياء حيوية بذلك النوع من الأسئلة..
حسنا.. لك الحق في أن تسأل هذا السؤال.. ولكن موضوع تلك الأسئلة قد بدأ في حفل الترحيب بالطبلة أول العام وقد تمَّت دعوته مع باقي الأساتذة.. وتفاعل كل دكتور مع الطلبة عن طريق إلقاءأسئلةأو لعبة خفيفة..حتي جاء دوره فلم يجد إلا"الجناس الصحفي" ومن وقتها وقد تعلق الطلبة بهذا النوع من الأسئلة.

بعد المحاضرة تذهب علياء ونور لمكتب الدكتور ليسألونه عن بعض مما لم فهماه في المحاضرة.. فيرحب بهما ويشرح لهما، ثم فجأة وبدون أية قدماتيستأذن ويذهب ويتركهما في المكتب.
وقبل أن تخرج نور، تجد محفظة على الأرض فتفتحها وتمسك البطاقة تنفجر ضاحكة بسبب صورة البطاقة، تلك الوصمة في حياة كل من أكمل الستة عشر عامًا.تختطف علياء المحفظة من نور وتقول:
-حسنًا.. سنترك المحفظة وننصرف.
- وإن سُرِقَت؟
- من سيسرقها؟ سنتركها في مكتبه كما كانت.
- قد يسرقها أحد العاملين أو الطلبة.. فالدكتور لا يغلق مكتبه عندما ينصرف.. إنَّ المحفظة تحتوي كل أوراق الدكتور الشخصية.. ستكون مشكلة إن ضاعت أو سُرِقَت.
- حسنًا.. ما اقتراحك؟
- حسنًا.. اقترح أن نذهب لمنزل الدكتور ونعطيها لبوَّاب العمارة ليعطيها له.
علياء(بعد تفكير):
-حسنًا.. سنتقابل اليوم السادسة مساء في (....) لنذهب له.
- حسنًا.. اتفقنا.

الساعة السادسة هاتف علياء يرن.. تتصل بها نور،ترد بسرعة:
-أينأنتِ؟
فترد عليها نور معتذرة:
- متأسفة لن أتمكن من الذهاب.
- ماذا؟! أنا في طريقي إليكِ.
- لقد أتى والدي من السفر وسنذهب لاستقباله في المطار الآن.
- لماذا اتفقت معي إذًا؟
- لقد كان من المفترض أن يأتي الساعة التاسعة، ولكنه استطاع أن يأتي مبكرًا.. ولم يخبرنا ليفاجئنا.
- هذا لحسن حظي.
نور ضاحكة:
-فلنؤجلها للغد.
-أنا في الطريق ولن أرجع، سأذهب وأعطيها للبواب وحدي.
- كما تريدين.. إلى اللقاء.
- إلى اللقاء.

تصل علياء إلىالعنوان الموجود في البطاقة.. تسأل عن المنزل فيدلهما أحدهم أنها الشقة الوحيدة المسكونة في هذه العمارة وبالطبع لا يوجد بواب.. تتردد ثم تقرر أن تصعد له وتعطيه المحفظة.
تطرق الباب فيفتح جزءٌ من الباب.. لا ترى منه سوى وجه الدكتور ويده
الممسكة بالباب وتلك الساعة الذهبية الصغيرة عليها.قالت له علياء بارتباك:
-حضرتك...
الدكتورمقاطعًا:
-علياء!!-لقد وجدت محفظة في المكتب هذا الصباح و...الدكتور(مقاطعا مجددًا):
-ليس لي.. شكرًا.
-ولكن بطاق...
لم تستطع أن تكمل جملتها، فقد أغلق الباب في وجهها.. فقد سمعت صوت المزلاج أو ما شابه يُغلَق من الخلف بعنف.حدَّثت عليها نفسها قائلة:"لقد علمت أنك أكثر من أستاذ".

في طريق العودة تتصل علياء بنور..
ترد نور:
-حسنًا.. هل تَّمت المهمة؟
-أريدأنأراكِ.
-حسنًا.. نتقابل غدًا.
- بل أقصد أريدأنأراكِالآن.
-إننا في طريقنا للمطار الآن.. لن يمكن أن نتقابل حتى الغد.
- لقد رأيت شيئًا في شقة الدكتور.
نور باهتمام:
-ما هو؟
- لستُ واثقة مما رأيت، ولكني بحاجة لأنأقابلك.
-حسنًا.. غدًا سآتيإليكِ.
- لا تتأخري.
- حسنًا.. سآتي.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك