رواية السحر الأسود || الفصل السادس


ما أن ذهب حتي أدخلت ايزابيل الولدين المرتجفين الي قرب النار, كانا باردين وموحلين ولكنا لبلل الذي كان في ثيابهما كان يبدو بسبب الضباب وليس بسبب البحر. تبعتهم جوانا وهي ترتجف أيضا, وأمرت الولدان بأن يصعدا ليخلعا ملابسهما ويستحما.
وما أن غطسا في الماء الساخن حتي استعادا روحهما المرحة وسمعتهما جوانا يضحكان, فدخلت المطبخ وبدأت تحضر لهما الحليب الساخن, ولحقت بها ايزابيل قائلة" واو...! انه لا يراعي كلماته أبدا, أليس كذلك؟"
فردت جوانا باختصار" لا"
"أهناك شيء أستطيع فعله؟ أقطع الخبز؟ أو أي شيء؟"
"سيكون هذا لطف منك, ولكن لا تحمصي الخبز"
"من السخرية أن يضبط الولدين يفعلان ما طالما متعتيهما من فعله يوم أن استطاعا الهرب منك, فهما عادة طيبان"
وتقدمت منها لتضع ذراعها حول كتفي جوانا" والآن لا تقلقي مما قاله ذلك الرجل الغير محتمل, علي كل الأمر لا يعنيه"
فهزت جوانا رأسها" كان يمكن أن يغرقا...."
"هراء, كان يمكن أن يبتلا ولكن حتي هذا غير مؤكد, فالأطفال لديهم إحساس مرهف لحماية أنفسهم, فلم يغرق أحد من أولاد مردوك حتي الآن"
"ولكنهما أكبر سنا وأضخم جسما, وعاشا هنا طوال حياتهما, ومونيكا لا زالت صغيرة...."
"وهل هذا سبب لتمضي وقتك تتوقعين أحداثا مأساوية؟ ستكبر, ولن يصيبها أكثر مما يصيب الأولاد في سنها, حاولي أن تكوني منطقية"
"ليس من السهل أن تكوني منطقية مع أولاد الآخرين"
"وهذا سبب إضافي للمحاولة, والا فسوف تعقدي المساكين"

وتوقعت تماما أن تري برايان مرة أخري بعد أن يهدأ, ويقرر ما هي الخطوات التالية, وحضرت نفسها للقاء آخر بكل ما تستطيع جمعه من شجاعة, وعندما لم تسمع عنه أي شيء, ازدادت خوفا, ولم تستطع أن تخلص نفسها من الشعور بأن أزمة حادة تملكت علاقتهما وأنه لن يسمح لوصايتها عليهما أن تمر هكذا دون اعتراض, وفي صباح يوم الجمعة الذي تلا..... وقع الانفجار.
أعلمتها رسالة من محامي ريتشارد أن علي بوب أن يذهب الي مدرسة داخلية ويمكن له أن يبدأ الدراسة في مدرسة الكاتدرائية المحلية في المنطقة في شهر كانون الثاني القادم, وهو محظوظ جدا لحصوله علي مقعد في منتصف السنة الدراسية, ومما لا شك فيه أن عليها شكر السيد برايان تورنبول الذي كان تلميذا سابقا في تلك المدرسة لأنه هو من رتب الأمر.
وذبلت جوانا فتصرف بوب الملائكي لم يغب عن ملاحظتها وهي تعرف السبب, فهو أنه يعرف أنه قد أساء التصرف, وخائف, ليس من العقاب ولكن من الإساءة اليها, وإرساله الي مدرسة داخلية قد يبدو كالعقاب الأكبر.
الولدان يعيشان فقط علي أمل عودة والدهما الي المنزل, وهي تقدم لهما كل مساعدة تستطيعها. بامكانها دائما أن تقول لهما ....انتظرا قدوم والدكما لتعرفا رأيه, مثيل...مونيكا تريد كلبا, انها تحب الكلاب وتلتصق دوما ب بونتي ولكن بونتي كلب ضخم وخشن التصرفات بالنسبة لها, ولكنها لا تستطيع أن تأتي لها بجرو تربيه لأنها لا تعرف ما اذا كان ريتشارد سيوافق أم لا؟؟
وقالت لها ايزابيل وهما تتحدثان بالموضوع يوما" ولكن ريتشارد لن يمانع لقد كان دائما يحب الحيوانات"
"أعلم هذا ولكن لو أتي في الربيع وأراد أخذ الولدين معه في ترحاله فلن يحب أخذ كلب أيضا, فالأمر مكلف جدا"
"وهكذا لن تحصل المسكينة علي كلب"
"اذا لم يحصل شيء غير متوقع, سأهديها جروا في الميلاد "
ابتسمت جوانا لهذه الفكرة, يجب أن تجد طريقة تعلم أخاها أنها قررت إدخال كلب في حياة ابنته, وأنها لن تستسلم لرغباته دون مقاومة.
"ومن أين ستحصلين علي الجرو؟"
"لم أفكر بهذا بعد, لقد قررت لتوي, والأفضل أن أحصل عليه من شخص أعرفه بدلا من محل بيع الحيوانات...سأسأل آرثر."
قالت ايزابيل بحماسة" اتصلي ب آرثر الآن"
ولكن جوانا ترددت" لا...شكرا لك, سأذهب بنفسي الي هناك قريبا"
الأسبوع الذي تلا كانت منشغلة تماما, فقد طبعت الدعوات وسلمت وقبضت ثمنها طوال النهار, وخيطت أزياء الأطفال وزيها في الأمسيات.
أحد زبائن آرثر وجد لها جروا لكلب صيد ذهبي اللون, وما عدا ذلك فقد تخلت عن مشتريات العيد.
وطوال ما مر من وقت لم تلتق أبدا برايان , ما عدا مرة أو اثنين وبالصدفة, وكان دائما مع مجموعة من الناس أو يتأبط ذراع سامنثا, ولعلمها أنها جبانة, فلقد كانت دائما تتجنب المواجهة معه, وكتب لها مرة واحدة عندما اعترضت لدي المحامي أنها لا تملك المال الكافي لتغطية مصروف بوب في المدرسة الداخلية, وباختصار أرسل لها صورة حكمين من المحكمة يقضيان بأنه المسئول عن مصاريف الولدين....
وانتابها رغبة في أن تذهب وتصرخ في وجهه قائلة انهما ليسا بحاجة لإحسانه, ولكن الاقتناع الكامل لديها بأنه سيقول لها أن لا شأن لها بالموضوع قد منعها أن تفعل.
ولم تشاهده ثانية قبل يوم الحفلة الراقصة, فقد وصلت جوانا الي العزبة لتجد برايان يتصارع مع شجرة ميلاد عملاقة, فصاحت" ماذا تفعل....؟"
وركضت نحوه لتمسك ببعض الأغصان وتوازن له الشجرة, وأوقفا الشجرة مستقيمة وقال لها" شكرا لك, لقد بدأت فجأة تتصرف لوحدها, انها الأخيرة والأصغر, وفكرت أن أساعد بإدخالها.أوه...لقد علق بي الصنوبر فأصبحت كالقنفذ الأخضر"
سحبت جوانا يدها عن الشجرة وقالت" أري هذا, ما الذي دهاك لمحاولة حملها لوحدك؟"
"لقد كان الأمر علي ما يرام ثم بدأت تترنح, أستطيع القول انها جميلة, لم أحصل في حياتي علي شجرة ميلاد مثلها"
وأحست بشفتيها تنفرج عن ابتسامة بالرغم من استيائها منه" أنا سعيدة لتمتعك بها, لقد توقعت أن أجدك بحالة هستيرية"
"صحيح؟ وهل أبدو من النوع الهستيري؟"
"لا, ولكن خطط ايزابيل تهز أصلب الأعصاب, ولقد هرب منها زوجها الي المقهي"
"رجل متعقل, ولكنني لن أفعل مثله, سأتمتع بوقتي...يبدو المكان في الداخل وكأنه غابة استوائية, وهناك كهربائيان يحاولان وضع الأنوار علي كل الأشجار, ادخلي وانضمي إلينا, هناك سيدة من الجمعية ترش الرذاذ الأبيض علي كل شيء...تعالي...."
وتغلب علي ارادتها فتبعته... ولم يكن قد بالغ في وصفه, فاخترقت طريقها بين الأشجار والأغصان, وأكوام من الزينة والكابلات والشرائط, وأحست بالامتنان ليده التي تقودها
ونظرت اليه" هذا فظيع...ماذا فعلنا لمنزلك؟"
فابتسم بخبث" لم يكن منزلا بعد, وربما هذا كله سيجعله منزلا, علي كل الأمر لا يهم وهي ليست غلطتك, فلا تبدين كالمذنبة هكذا"
"لا أستطيع...ولدي في السيارة أكوام من أزياء التمثيل وأكواب الشاي والله يعلم ما غيره"
فضحك" حسنا هذا لا يبدو لي غير ممكن التصرف فيه, الشاي وأغراضه تدخل المطبخ, والأزياء في الطابق العلوي, فالسيدة بدفورد قد أفردت بضع غرف للملابس, سوف أرشدك اليها وأوصل الأزياء الي فوق, هل جئت بآلتك معك؟"
"لا"
بدا علي وجهه الضحك ولكنه لم يعلق "تفكير راجح منك"
وبدا لها كم هو أكثر ودا وأقل ترهيبا عندما لا يرتدي نظارته فسألته" هل تشعر بتحسن عينيك؟"
واحمر وجهها بعد أن تذكرت آخر مرة تحدثا فيها عن عينيه وبدا أنه هو تذكر أيضا ما حدث, فأجاب بمرح" بالكاد أحتاجها الآن, مع أنني لازلت لا أحتمل الضوء الساطع"
وأحست أنه يداعبها فرفعت رأسها وقالت" كم هذا أمر غير ملائم, اذن فلتحضر تلك الأزياء, هذا اذا كنت تستطيع تحمل ضوء النهار"
وسارت أمامه خارج الردهة وهي تسمع صوت ضحكته الخفيفة...
الأمسية كانت باردة ورطبة, وبدأت العتمة عند الثالثة, وتصاعد الضباب البارد حول التلال, وبدا لها أن بوب ومونيكا لن يخيبا أملها بهما, فلقد أخذ بوب دور صاحب الفندق في تمثيلية الميلاد ومونيكا دور الملاك, وكلاهما لم يعانيا أبدا من رهبة المسرح, وصلت بهما الي العزبة, ولم يكن برايان هناك....ولكن سامنثا كانت تقوم بتقديم الخدمات للمشتركين الواصلين ومال آرثر الي أن يغلق المطعم تلك الأمسية تاركا غرفة الاستقبال والمقهي فقط للزبائن الدائمين, وشارك مع الطاهي وسامنثا بالطبع في العمل في العزبة, وقال آرثر ل جوانا" الحقيقة أن هذا كله قد خرج من أيدينا ولا أعتقد أن ايزابيل تعرف ما سيكلفها, وليس فقط أنها لن تجني المال منه بل هي ستخسر أيضا, هل تعلمين كم تذكرة باعت؟"
"لقد طبعت لها ستمائة بطاقة, ولكنني لا أعلم اذا كانت قد باعتها كلها, أنت تعرفها أكثر مني"
"بالطبع أعرفها, انها تقدم تذكرة مجانية لكل من يقرضها مفك"
"تقريبا"
"انها محبوبة ولكنها مجنونة"
موضوع حديثهما صعدت السلم ودخلت الي الغرفة يتبعها برايان الذي التفت الي جوانا وقال مخاطبا آرثر" أوه..لقد وجدتها أخيرا يا آرثر, انها مجنونة تماما,أوافق معك"
فاحمر وجه جوانا"من ...أنا؟"
فضحك آرثر" لا يا حبيبتي, ولكن عمتي, أنا مستعد لأن أراهن علي خسارتك يا ايزابيل"
"صحيح؟ حسنا...لقد كلفتني أكثر مما توقعت ولكن لابد أن نكسب مالا ما لا يقل عن خمسمائة الي ستمائة دولار, والسيد تورنبول نبرع أن يرفع أي مبلغ نكسبه الي الألف, وهذا هو هدف الجمعية"
قالت جوانا مذهولة" ماذا؟"
وقال آرثر"هذا ثمن مرتفع يدفعه المرء لقلب منزله رأسا علي عقب"
مرت لمحة انزعاج علي وجه برايان" أوه..هذا هراء, انها تجربة فريدة من نوعها, متي تظنون أن العرض سيبدأ؟"
فقال آرثر ساخرا" أو اذا أردت التأكد, متي سينتهي؟"
فزجرته عمته" لست مضطرا للبقاء, تستطيع أن تأكل وتشرب فالحفلة غير رسمية بالمرة, أريدها أن تكون حفلة حرة, ستجد أنني وضعت المقاعد في مجموعات صغيرة بدل وضعها كأنها في باحة كنيسة, فالهدف هو تمتع الناس بالحفل"
فضحك" لا بأس اذن, متي سنبدأ بالتمتع؟"
تدخل برايان" كما عرفت...ستخلي القاعة لأجل الرقص عند التاسعة والنصف, علي الأقل هذا ما قاله شباب الفرقة الموسيقية"
قال آرثر وهو ينظر لساعته" جيد..سأتذكر هذا, لقد أصبحت الآن السادسة...الأفضل أن أذهب لأغير ملابسي"
فقالت ايزابيل" وكذلك أنت يا جوانا...هل أحضرت ثوبك معك أم ستذهبين الي المنزل؟"
"ثوبي معي, فأنا أساعد في تمثيلية الأولاد, ولا أظن أنني سأرتديه قبل نهاية البرنامج"
"اذن لن تتمكني من بيع كتيبات البرنامج"
تدخل برايان" أنا واثق أن سامنثا سيسعدها مساعدتك, انها تموت شوقا لعرض نفسها في ثوب التنكر منذ أن وصلت"
ضحكت ايزابيل" أنا واثقة من ذلك"
بحلول السابعة والنصف أصبحت التمثيلية جاهزة للعرض, ورافقت جوانا و أفريل الأطفال الي المسرح في منتصف القاعة وأطفأت الأنوار ما عدا نور المنتصف وزينة أشجار الميلاد, وجلست جوانا قرب أحد المداخل تراقب بوب ومونيكا, وأحست بحركة خلفها وقال برايان من فوق كتفها" مساء الخير...أطن أن ولدينا في هذه التمثيلية"
"انهما ليسا( لنا)"
"انهما لنا بالطبع"
"هذا شيء يجب أن نناقشه, مع أشياء أخري...مثل أمر دفع تكاليف مدرسة بوب"
"ليس الآن يا فتاتي الطيبة, تعالي لنتحدث في أي وقت....أهلا وسهلا بك"
"حسنا سأفعل"
وأضيئت الأنوار بعد انتهاء الرواية بنجاح وسارع الأطفال للصعود الي غرف الملابس وحاولت جوانا التخلص من يد برايان التي منعتها من اللحاق بالأولاد
"يجب أن أذهب...."
"لا, لا يجب عليك أن تذهبي"
"بلي, يجب...أنا وعد أفريل أن أساعدها في خلع ملابس الأطفال وتنظيف كل شيء"
فترك يدها وقال وهو ينظر اليها "أوه...اذا كان هذا كل شيء...سوف تعودين؟ ولن تهربي مع الأولاد؟"
"أعدك"
"بوب ولد رائع وعلي أن أعرفه أكثر, أعتقد أنه يشبهك...أوه, هيا اذهبي والعبي دور المربية , ولكن أحذرك لو حاولت الهرب....سألحق بك وأعيدك الي هنا"
فلمست كتفه برقة" لا تقلق...سنفشل معا متحدين, وأعتقد أن أمامنا فشل كثير هذه الليلة"
"صحيح؟ يا الهي, ماذا يخبئ لنا القدر بعد في هذا البرنامج؟"
"حسنا....الكورس الغنائي هو التالي, ثم تمثيلية الهواة ثم أنا, وبعدي الهواة مرة أخري"
"لن أفوت دقيقة من البرنامج, اذهبي الآن وأنهي عملك"
وفكرت جوانا أنها ستكون محظوظة لو استطاعت ارتداء ثوبها في الوقت المحدد, فابتسمت له وتركته.
كانت ايزابيل محقة, فالثوب بدا رائعا عليها, وضعت قليلا من الزينة علي وجهها وعينيها وحملت قيثارتها متوجهة للطابق السفلي.
لقد حضرت لنفسها ثلاث قطع موسيقية من القرن الثامن عشر فكانت معزوفات صغيرة شجية, أسرت لب المستمعين بشكل ظاهر, ولتنهي وصلتها لعبت لحنا سريعا جعل الحضور يصفقون مع النغم.....
ثم وقفت نحني رأسها شاكرة وبينما كان التصفيق والاستحسان يتصاعدان انسحبت من الغرفة....ولكن برايان كان بانتظارها, و

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك