عاش قبل زمن شيخٌ بارٌّ اشتهر بحكمته وصواب مشورته‘ يقصده الناس مسترشدين بنور فطنته.
وفي ذات مساء دخل شقي مشهور ومعه عصا غليظة وقال:
" أسألك فقل لــي! بذمتي عشرون قتيلاً فهل الجنة مثواي أم جهنم"
فتريث الشيخ قليلاً ، إن قال "الجنة" كذب.
وإن قال "جهنم" ربما تناوله الرجل بضربة عصا ،إذ ماذا يضيره إن أصبح عدد ضحاياه واحد وعشرين.
وأخيراً قال: "الله رحمن رحيم ، يعرف عباده ولايعرف أحدٌ مراده ، ولكن والدي كان يقول:
"من أراد أن يعرف مثواه في الآخرة عليه أن يغرس عصاً يابسة في تربة طرية
فإذا اخضرت ونبتت كان مثواه الجنة ، وإلا فلا".
فأدار الرجل ظهره ومضى ، وقادته خطاه إلى مقبرة حيث رأى شاباً يحفر قبراً وينتشل منه جثة فتاة مدفونة لساعتها،فيمزق كفنها ويقول لها :
"امتنعتِ عليَّ حية سأنال منكِ ميت".
فاحتدمت دماء الشهامة في عروق الشقي وانقض بعصاه على الشاب فصرعه.
ثم غرس عصاه في تربة القبر وجلس يستريح، وحانت منه التفاتة فإذا بالعصا تخضر وإذا بأوراق ندية تتفتح على جنباتها.
فقام ومشى وأخبر الشيخ بما حدث وروى له قصة الشاب والفتاة.
فاغرورقت عينا الشيخ وقال:
"من ستر أعراض الناس ستر الله ذنوبه".