قصة النفق القديم

منذ #قصص عالمية

- لما أحضرتني إلى هنا؟

- أتيت بك إلى هنا بناء على طلبك

- أي طلب؟

- قبل أيام طلبت مني أن أريك أكثر الأماكن رعباً في بلدتنا ألا تذكر هذا؟

- بلى أذكر هذا جيداَ

- حسناَ أنت أمامه الآن

- أي مكان تقصد بالتحديد؟ أهو البيت الواقع على يميني أم المدرسة التي على يساري؟

- ولا أي منهما لا يمينك ولا يسارك إنه أمامك مباشرة النفق القديم

- النفق!! أهذه مزحة يا رجل؟

- لا ليست مزحة على الإطلاق، هذا النفق هو مصدر الرعب في هذه البلدة

- لا أصدق هذا، ألا ترى أن هذا النفق لا يستحق أن يذكر أبداً عند الحديث عن الرعب؟

يا رجل أنظر إنه قصير جداً حتى أنني أرى الجهة المقابلة من خلاله بكل وضوح، كما أن أعمدة الإنارة الموجودة بالخارج تضيء كل بقعة منه، أين يمكن أن يختبىء الرعب في مكان كهذا؟

ربما هو غريب قليلاً عما اعتدتنا عليه من أنفاق، فهنا القطار يمر فوقه بدلاً من أن يعبر من خلاله لكن هذا لا يجعله مخيفاً؟

- ربما أنت محق بعض الشيء.. لكن الرعب الكامن داخل هذا النفق القصير لا يرتبط بالظلام أبداً.. كما أنك لا تعرف كل شيء عنه. فالنفق الموجود أمامك هو أقدم مكان في البلدة كلها، فالمنازل تهدمت وبني غيرها وبنيت مدارس ومتاجر لم تكن موجودة من قبل سنوات قليلة حتى، إلا هذا النفق فقد بقي على حاله بعد توقف القطار من المرور فوقه وأصبح مجرد نفق يصل بين الجزء القديم والحديث من البلدة.

- ولأنه الأقدم في البلدة جعل منه هذا مكاناً مرعباً أم هو مرعب لأنه أصبح مهجوراً بعد توقف القطارات عن المرور فوقه؟

- أجل وأسباب أخرى أيضاً؟

- وهي؟؟!!

- أولها ماض مروع شهده هذا المكان حوله إلى كابوس حقيقي ويومي لأهل القرية، وهذا الماضي هو نفسه السبب في توقف القطارات عن العبور من هنا.. وما حدث كان كالآتي:

قبل سنوات طوال كان هناك رجل مسن ومجنون تقريباً كان يرى أن كل ما هو حديث من صنع الشيطان مع أنه لم يكن قد رأى شيء من الحداثة إلا أنه سمع عن الآلات والكهرباء من شباب البلدة الذين قطعوا أميالاً سيراً على الأقدام من أجل الوصول إلى المدينة، وقتها لم تكن الكهرباء قد دخلت البلدة بعد.. فالظلام كان يخيم على كل شيء بعد مغيب الشمس لدرجة أنك إن كنت على متن القطار وقتها ومر بك من هنا في الأيام التى يكون فيها ضوء القمر خافتاً بسبب عدم اكتماله فإنك لم تكن لترى أي شيء حولك إذا ما نظرت من نافذة القطار، وكأنك تمر فوق بحر من الظلام ولا وجود لبلدة ولا أحياء في هذا المكان. وصلت أنباء هذه الأشياء إلى مسامع الرجل المجنون، عربات تحمل البشر وتتحرك بسرعة وهي ليست من الحيوانات إنما أشياء من صنع البشر ومصابيح تعمل من غير نار.. كلها أشياء شيطانية مخيفة ستسبب هلاك البشرية بالنسبة له..

إزداد جنون الرجل وأخذ يجوب البلدة محذراً سكانها من آلات الشيطان، وفجأة وجد المسكين آلات الشيطان وأعوانه قد دخلوا البلدة وهم ينوون بناء سكة حديدية فوق هذه التلة الموجود بداخلها النفق.

حاول الرجل بكل الطرق إيقاف العمال ومنع استكمال البناء، وعندما فشل وانتهت الحكومة من العمل ووصل القطار أخيراً إلى بلدتنا كان قد بلغ جنون الرجل ذروته فقرر إيقاف القطار والتصدي له بنفسه.. فالمسكين لم يكن يعلم أي شيء عن القطار سوى ما سمعه من هذا وذاك، لذلك ظن أنه قادر على إيقاف القطار كما لو أنه دابة أو شيء من هذا القبيل..

وفي إحدى الليالي، إنتظر الرجل آلة الشيطان إلى أن وصلت ليجد سائق القطار المسكين رجلاً يقف أمامه مباشرة..

- بالتأكيد قام القطار بدهسه ومنذ ذلك اليوم وشبح الرجل المجنون يسكن المكان أليس كذلك؟ إنها قصة قديمة ومستهلكة يا رجل رأيتها في عدة أفلام من قبل

- لا تتعجل الأمور فما توقعته أنت مختلف تماماً عما حدث، ففي الواقع لم يمت الرجل وقتها ولم يدهسه القطار أو بالأحرى لم يقترب منه من الأساس، وبدلاً منه مات عشرات الأشخاص يومها ممن كانوا على متن القطار..

- كيف حدث هذا؟

- سأقول لك.. في محاولة فاشلة منه، حاول سائق القطار التوقف قبل أن يدهس الرجل وكما أراد إناقذ حياة الرجل لكن في المقابل خرج القطار عن مساره وتدحرج من فوق التلة وسقط مرتطماً بالأرض.. وأمام هذه النفق بالتحديد فقد العشرات حياتهم ونجا المجنون بحياته وبقي يروي قصة انتصاره على آلة الشيطان وقتله للعشرات من أتباعه!؟

- إذن الرجل لم يمت وبناء عليه ليس شبحه هو من يسكن المكان؟ هل هذا يعني أن أشباح الضحايا من ركاب القطار الذين فقدوا حياتهم تلك الليلة هي التي تسكن النفق؟

- تقريباً، فقد قيل لنا ونحن صغار أن الجن شرب دماء الضحايا التي سالت على هذه الأرض ومن يومها اتخذوها مسكناً لهم..

- وماذا فعل الجن هنا ليصبح هذا النفق مصدراً للرعب؟ هل يظهرون للناس مثلاً؟

- لا مطلقاً، فما يفعلونه مختلف تماماً.. إنهم يعيدون تمثيل الحادثة كل ليلة وبالتحديد في الساعة التي وقعت فيها قبل سنوات.

فإذا كنت مستيقظ حوالي الساعة الثالثة قبلها أو بعدها بقليل فإنك سوف تسمع صوت صافرة القطارة بعدها ستسمع صراخ الناس والضجة وكل صوت رافق وقوع الحادثة في الماضي.

- قبل أو بعد الثالثة بقليل؟ أي أنه ليس له موعد محدد هذا غريب بالنسبة لقطار شبحي!! لكن هل سمعت أنت كل هذه الأصوات؟

- لا، أسمع صوت القطار فقط، أما بقية أصوات الضحايا وسقوط القطار فلا أسمعها، فكما تعلم بيتنا بعيد عن هنا لا يصل إلينا سوى صوت صافرة القطار، لكن عددا كبيراً من سكان البلدة سمعوها.

- حسنا، هل رأيت القطار الشبحي أو الحادثة عندما يعاد تمثيلها؟

- لا هذا غير ممكن، لا ينبغي أن نفعل هذا أبداً

- لماذا؟

- لأنه معروف هنا أنه إذا قادك حظك العاثر إلى التواجد قرب النفق في الساعة التي وقعت فيها الحادثة فإنه يجب عليك أن تغمض عينيك وتبتعد عن المكان بسرعة..

- وماذا سيحدث لي إن فتحت عيني ونظرت إلى القطار وهو مار من هنا أو حتى شاهدت المأساة وهي تتكرر؟

- سوف تفقد عقلك على الفور، وهذا ما حدث مع عدة أشخاص هنا، أما المصير الأكثر سوء فهو ذلك الذي ينتظر من يقوم بعبور النفق عند مرور القطار من فوقه، أي الوقت الذي وقعت فيه الحادثة لأنه عندها سوف يموت ميتة شنيعة..

- كيف سيموت هل يقتل على يد أحد الجن أم يدهسه القطار؟

- كيف سيموت!! هذا ما لا يعرفه أحد بالتحديد، فكل ما نعرفه أنه سوف يعثر على جثة هذا الشخص مقطعة وملقاة داخل النفق

- يا إلهي، يالها من نهاية بشعة، لكن أخبرني هل حدث هذا مع أي من سكان البلدة؟

- يقال أن هذا حدث مع عدة أشخاص، لكن طوال حياتي لم يحدث هذا إلا مرة واحدة. عندما كنت صغيراً عثر الناس على جثة رجل كان معروفاً هنا، عندما وجدوه كانت جثته مقطعة، رأيتها بعيني عندما وصلت الشرطة وأخذ رجالها ينقلون أجزاء الجثة قطعة قطعة كان أبشع مشهد رأيته على الاطلاق..

- طوال السنوات التي عشتها هنا لم تقع سوى هذه الحادثة!! ألا يجعلك هذا تشك في صحة ما قيل عن النفق؟

- لا فالجميع هنا حذرون لذا لا تقع الحوادث، الحمد لله

- حسنا، الساعة الآن الثانية والنصف لذا سوف أقترح عليك أن نبقى هنا حتى الساعة الثالثة وعندما نسمع صافرة القطار أدخل أنا إلى النفق وتنتظرني أنت خارجه بينما تغمض عينيك هذا إذا ما أردت أن تبقى، لكن إن أردت أن تغادر فتفضل.

- لا يا رجل لن أدعك تقدم على ارتكاب هذه الحماقة

- قلت لك مسبقاً إذا كنت خائف على حياتك غادر لكن أنا سأبقى هنا ولا تحاول أن تجعلني أتراجع

- لن أتركك تفعل هذا وحدك سوف أبقى معك لكن لا تطلب مني أن افتح عيني مطلقاً بعد أن نسمع صافرة القطار

- حسناً أنا موافق لكن قبل كل شيء أريد معرفة اسم ذلك الشخص الذي وجدتم جثته داخل النفق وإن أمكن أريد أيضاً معرفة تاريخ اليوم الذي لقى فيه حتفه أو على الأقل تاريخ اليوم الذي عثرتم فيه على الجثة؟

- يصعب علي تذكر تاريخ اليوم بالتحديد لكنه كان عام 1983 والرجل كان يدعى.. إنتظر قليلاً آه تذكرت ! "جلال عبد المجيد"

- هذا جيد فلو أني رأيت جثة أحدهم مقطعة لتذكرت اسمه واليوم الذي رأيته فيه طوال حياتي.

الآن دعنا نتفقد المكان قبل أن يحين الموعد المرتقب

- حسناً هيا..

في الساعة الثالثة تقريباً دوى صوت صافرة القطار معلناً قدومه وبسرعة وضع أحدهما يداه على وجهه وأدار ظهره للنفق، أما الآخر فقد بقي كما هو مثبتاً نظره على القطار الذي حجبه بالكامل تقريباً ضوء المصباح الكبير المثبت في مقدمته..

عندما اقترب القطار من النفق أسرع الرجل إلى داخل النفق وبعد قليل غادر القطار وعاد الهدوء ليخيم مجدداً على المكان..

أخير أبعد الرجل يديه عن وجهه وفتح عينيه ليجد نفسه وحيداً في المكان، تلفت حوله باحثاً عن صديقه وهو يتساءل إلى أين تراه قد ذهب؟ أم وقع له مكروه؟

أخذ يصيح وينادي لكن لم يتلقى أي رد.. إستجمع قواه ودخل النفق وقبل أن يصل إلى نهايته وجد أمامه صديقه يقف مبستماً وهو يحمل بيده الهاتف الجوال..

- أنت حي!! الحمد لله ظننت أنني فقدتك يا رجل، أين كنت؟

- كنت واقفاً داخل النفق أثناء عبور القطار من فوقه، وعندما أردت إجراء اتصال هاتفي طارىء إكتشفت أنه لا توجد شبكة هنا بالأسفل فانتظرت حتى مر القطار وابتعد كي أخرج من النفق لأجري الاتصال، لكنني خرجت من الجهة الأخرى. سمعتك عندما كنت تنادي علي لكن لم أستطع الرد لانني لم أكن قد انتهيت من المكالمة بعد..

- لا يهم هذا الآن، أخبرني كيف نجوت؟ هل أغمضت عينك ولم تعبر النفق إلا بعد أن غادر القطار؟

- كيف تقول هذا؟ لقد نظرت إلى القطار بل وأمعنت النظر فيه وقمت بتصويره أيضاً! لحسن الحظ أنه يقلل من سرعته في هذه المنطقة لذا فالصورة واضحة أنظر...

"بسرعة أشاح الآخر بوجهه بعيداً قبل أن تقع عينه على صورة القطار في هاتف صديقه.."

- لا أريد أن أنظر إليه

- ما بك يارجل هل تخاف صورته ايضاً

- أجل ربما تصيبنا لعنة ما، قل لي كيف صورت قطار شبحي؟

- أرى أنك مازلت تصدق هذه الاسطورة , من يسمعك لن يصدق أبداً أنك رجل متعلم، سأخبرك كيف قمت بتصوير قطار شبحي لكن أولاً أخبرني أنت هل تعرف رجلاً يدعى "فايز دياب"؟

- لا يوجد أحد في بلدتنا لا يعرف هذا الرجل، لقد اختفى فجأة قبل سنوات، كنت صغيراً وقتها لكن قصته ما تزال ترددها الألسنة هنا، يقال أنه رأى القطار فأصيب بالجنون وغادر البلدة. لكن كيف عرفت أنت بأمره؟

- لقد اختفى فايز من البلدة عام 1983، أليس كذلك؟

- ربما، لا أذكر جيداً

- هل لاحظت أنه العام نفسه الذي وقعت فيه حادثة مقتل "جلال عبد المجيد"

- بلى لاحظت هذا

- ما لا تعرفه أيضاً أنه اختفى في الليلة نفسها التي لقى فيها "جلال" مصرعه

- هذا غريب؟ هل قتله القطار الشبحي أيضاً؟

- يا الهي ها أنت تعود لقصة القطار مرة أخرى، لا أبدا لم يقتله القطار بل هو من قام بقتل أحدهم

- قتل من؟ لا أفهم شيئاً؟

- "فايز" المختفي هذا قام بقتل "جلال" في ساعة متأخرة من الليل ثم قطع جثته وألقى بها داخل النفق مستغلاً الخرافة المسيطرة على أهل البلدة هنا

- كيف اختفى بعد ذلك؟

- هرب على متن القطار الشبحي

- هذا مستحيل، كيف يهرب على متن قطار ليس موجود أصلاً إنما مجرد طيف؟

- القطار الشبح يا صديقي ليس سوى قطار حقيقي تقريباً، يحمل محصول قصب أو شيء من هذا القبيل من قرى مجاورة ولهذا فإن موعد مروره من هنا يختلف من ليلية إلى أخرى، أنت بنفسك قلت لي أنه يأتي قببل الساعة الثالثة، قبلها أو بعدها بقليل فلو أنه قطار شبحي لأتى كل يوم في نفس الموعد. وما لا تعرفه أيضاً هو أن هذه السكة الحديدية الموجودة بالأعلى بنيت فقط من أجل هذا القطار، أي أن قطار البضائع فقط هو الذي يمر من هنا ممى يعني أنه لا وجود من لقطار ركاب سقط ولا لأشخاص لقوا حتفهم هنا.. يبدو لي أن هذا القاتل المدعو "فايز" هو أذكى شخص هنا يعرف الحقيقة بالكامل لكنه استغل جهل الجميع وتصديقهم للكذبة التى تناقلتها الأجيال. خطط لجريمته بذكاء، راقب القطار وعرف أنه يقلل من سرعته هنا حتى أن طفلاً صغيراً يستطع اللحاق به والقفز بداخله

- لهذا إذن لا أسمع سوى صوت صافرة القطار لا أصوات ضحايا ولا ارتطام ولا أي شيء.. مر القطار خلال وقت قصير جداً، قل لي كيف عرفت أنت كل هذه المعلومات عن الجريمة القديمة هذه؟

- أتذكر أمر الاتصال الذي قلت لك قبل قليل أني أجريته؟

- األ...!

- كان هذا أبي، كما تعرف كان ضابطاً في نقطة الشرطة هنا عام 83 وأذكر جيداً حديثه عن جثة وجدت مقطعة في هذه البلدة حتى أنني بعدها طلبت منه أن يحضرني إلى هنا بعد أن أثارت القصة فضولي.. وافق وحضرنا إلى هنا ونزلنا في ضيافتكم لعدة أيام..

- اه يا الهي نسيت تماماً أمر والدك..

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك