قصة لي دي فورست

منذ #قصص عالمية

ما هي البوابة؟, شخص واحدٌ يستطيع فتحه، فيتمكّن آلافٌ آخرون من العبور منه. يمكن أن نسمّيَ ذلك "التعزيز".

التعزيز هو حاجة أساسيّة في كلّ المنظومات التي تتعامل مع المعلومات أو الطاقة - الراديو، التلفزيون، أجهزة الليزر، الرادار، الهواتف، الحواسيب، وكلّ أنواع أجهزة الاستشعار التكنولوجيّة. لماذا يُعتبر التعزيز هامّاً جدّاً؟

لأنّ الإشارات تكون ضعيفةً جدّاً في أحيان كثيرة، وهي، أيضاً، تتضاءل مع المسافة، حيث إننا لو أردنا بثّ الإشارات أو استقبالها، سيكون علينا تعزيز قوّتها. كيف نستطيع القيام بذلك؟

بواسطة البوّابة، بالطبع. ولكنّه ليس بوّابةاً مصنوعاً من الخشب أو الفولاذ، وإنما هو بوّابةٌ يعمل اعتماداً على المبدأ نفسه.

فلنفترض أننا نجحنا في بناء "بوّابة" يمرّ من خلاله تيّارٌ كهربائيٌّ قويّ، ولكنّ تيّاراً ضعيفاً جدّاً يستطيع فتحه.

في هذه الحال، يتمّ استرجاع كلّ إشارة يحملها هذا التيّار الضعيف، مثل شفرة الخطوط والنقاط، في التيّار القويّ - أي يتمّ تعزيزه! بالطبع، يجب أن يكون هناك مصدرُ طاقةٍ خارجيٌّ يوفّر التيّار القويّ، حتّى لا يتم تعزيز الطاقة إلا في حال تعزيز الإشارة.

في الحقيقة، كشفت الطبيعة عن مبدأ التعزيز بواسطة البوّابة منذ ملايين السنين، وذلك عبر نشاط الألياف العصبيّة.

وظيفة شبكة العصبية هي التعامل مع المعلومات ونقلها. تقوم الشبكة بفعل ذلك من خلال إشارات كهربائيّة. ولكنّ الطبيعة لم تكشف أبداً، أو أنها لم تنجح أبداً في إنشاء أسلاكٍ معدنيّة.

تنتقل الإشارات الكهربائيّة في الجسم عبر أيونات (ذرّات مشحونة بشحنة كهربائيّة) وليس عبر إلكترونات. الأيونات ليست مُوصلات جيّدة جدّاً.

إذا أرادَ دماغي أن يقول لقدمي أن تنحني، فإنّ الإشارة التي تحملها الأيونات لن يصل ما لم يتمّ تعزيزها على طول الطريق. لذا، أنشأت الطبيعة سلسلةً من المُعزِّزات على امتداد الأعصاب. تتشكّل المُعزّزات من مُستشعِرات جزيئيّة تفتحُها إشارات كهربائيّة ضعيفة، وتُتيح للأيونات التدفّق إلى داخل الألياف العصبيّة أثناء تعزيز قوّة الإشارة. تُوفّرُ الطاقةَ "مضخّات" أيونيّة أيضيّة.

ليس من الضروريّ أن يكون التعزيزُ لـ"كلّ شيء أو لا شيء" أو أن يكون تعزيزاً "رقميّاً". إنّ فتحَ البوّابة يمكن أن يكون تدريجيّاً أو "متناظراً"، حتّى تتغيّر الإشارة المُعزَّزة بنسبةٍ مباشرة للإشارة الداخلة.

حواسُّنا متناظرة، ولكنّ التواصل العصبيّ يستعين بالشفرات الرقميّة.

كانت التطبيقات التكنولوجيّة متناظرةً في غالبيّتها. مع ذلك، هناك اليومَ عددٌ متزايدٌ من الأجهزة التقنيّة التي تُعتبر ذات موثوقية أكثر وحسّاسةً بشأن أقلّ بالنسبة للتزييف.

يعودُ الفضلُ إلى لي دي فورست في تطبيق فكرة البوّابة للتعزيز الكهربائيّ.

عام 1907، سجّل دي فورست براءة اختراع باسم "أنبوب الفراغ الثلاثيّ الصمّامات" الأوّل، وهو جهازٌ يمكن من خلاله تعديل تيّارٍ من الإلكترونات يتدفّق بين قطبيْ إلكترود من خلال تغيير الضغط المُمارَس على نسيجٍ موجودٍ بينهما.

تحسّن بثّ الراديو بفضل الجهاز - حيث نجحَ دي فورست ببثّ حفلٍ للمغنّي الكبير إنريكو كاروزو مباشرةً من دار الأوبرا "متروبوليتين" عام 1910. ولكنّ تلك الفترة لم تكن بعدُ قد أبدت اهتماماً شعبيّاً باختراعه، وعندما حاول بيع صمّامه الثلاثيّ، تمّت محاكمته بتهمة "محاولة تقديم منتَجٍ لا قيمة له" بواسطة "إطلاق تصريحاتٍ كاذبة ومنافية للعقل"، عن أنه "بعد سنوات معدودة سيكون في الإمكان بثُّ الصوت البشريّ عبر المحيط الأطلسيّ".

في حقيقة الأمر، كان جهاز دي فروست المركّب الأساسيّ في كلّ الأنظمة الإلكترونيّة التي تتعامل مع الإشارات حتّى ظهور الترانزيستور، في الخمسينيات. (الترانزيستور، أيضاً، عبارة عن مُعزِّز يعمل بواسطة بوّابة، ولكنه مصنوعٌ من مادّة صلبة وليس من غلاف زجاجيّ فيه غاز أو فراغ. مكَّنَ تطويرُ الترانزيستور من تصغير حجم كلّ الأجهزة التي تتعامل مع المعلومات بشكلٍ هائل خلال العقود الأخيرة).

يعود الفضل إلى دي فروست، أيضاً، في ما يتعلق باختراعات هامّة أخرى، منها طريقة تسجيل الشريط الصوتي في الأفلام، التي لم تُستقبَل، هي أيضاً، بحفاوةٍ في حينها (1923)، ولكنها تحوّلت لاحقاً إلى طريقة مُعتمَدة في إضافة الصوت إلى الفيلم.

رغم أنّ دي فروست كان قد حظيَ، في سنواته الأخيرة، باعترافٍ واسع، فهو لم ينل أبداً جائزة نوبل، وقد كان ساخطاً بسبب عددٍ من الصفقات التجاريّة الفاشلة المتعاقبة، وبسبب شعوره بأنّ الآخرين جمعوا أرباحاً من اختراعه أكثر بكثير من الأرباح التي جمعَها هو نفسه.

تعودُ خيبة أمله، بشكلٍ جزئيّ، إلى شخصيّته الأنانيّة، حسّه التجاريّ غير السّليم، وعدم قدرته على تقدير الناس بالشكل الصحيح، وكم من السّهل أن نقول إنّ سبب ذلك كلّه هو سوء حظّه؟ هذا سؤالٌ تصعبُ الإجابة عنه..

لكن، ليس هناك شكٌّ في أنّه يستحقّ اللقب الذي حمَله، وهو اللقب الذي بات عنوانَ سيرته الذاتيّة: "مؤسِّس الراديو".

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك