قصة ستيفن ويليام هوكينج

منذ #قصص عالمية

قد لا تكون بداية الألفيّة الثالثة حدثاً عظيماً كبداية الكون، ولكنها تجعلُ من اختيار ستيفن هوكينج ضيفَ شرفٍ لميلاد الشهر أمراً مُناسباً بشكلٍ خاصّ.

هوكينج هو عالِمٌ يربطه معظم الناس بـ"الانفجار الكبير"، بداية الزمان والمكان، نسبةً إلى كتابه "موجَز تاريخ الزمن" A Brief History of Time، الذي نُشرَ عام 1988 وحصدَ شعبيّةً كبيرة، يصفُ الكتاب تطوّر الكون، بدءاً من الانفجار الكبير وحتى "وفاته" في وقتٍ ما من المستقبل البعيد، ولعلّه البعيدُ حتّى اللانهاية.

لماذا حصدَ الكتابُ نجاحاً ساحقاً مثل هذا النجاح؟

في الحقيقة، ليس من السهل قراءة الكتاب، وكنتُ قد أجريتُ مسحاً صغيراً بين بعض الأصدقاء، أثبتَ أنّ معظمهم اشتروا الكتاب، ولكنّ عدداً قليلاً منهم، فقط، قرأه إلى نهايته.

هل الموضوع "مثيرٌ" إلى هذه الدرجة، أو لعلّ أسلوب الكتابة أخّاذ، إلى درجةٍ لا يسمحُ معها القارئ لنفسه ألا يقرأه (أو، على الأقل، ألا يحاول أن يقرأه؟) وربما ترتبطُ شعبيّته، بشكلٍ أو بآخر، بالحكاية العجيبة لصراع المؤلّف مع مرضه، صراع شُجاع لا مثيل له؟

الروح أقوى من المادة

عانى هوكينج من مرض مفاصلٍ تنكسيٍّ خطير، يُدعى لو جيهرج Lou Gehrig كان جيهرج لاعب بيسبول عظيماً، وصلت حياته المهنية إلى طريق مسدودة بسبب هذا المرض.

يؤدّي المرضُ، وبشكلٍ تدريجيّ على امتداد سنوات، إلى شللٍ كامل، يعجز المرضى عن المشي أو تحريك أطرافهم وأيديهم. ولكن، ليس هناك تأثيرٌ مُباشرٌ للمرض على الدماغ، ودماغُ هوكينج يُبدِع عجائبَ كهذه منذ تسلّط عليه المرض، بشكلٍ يمكننا معه أن نقول إنّ الحاجة إلى القلق على الجسم لم يشغل فِكر الرجل تماماً، وإبداعه زادَ بفضل ذلك!

إنّ حياة هوكينج هي، في حقيقتها، حياةُ روح. "حياة روح"، ليس لها حياة أخرى..

تعرفوا على الفنان

ولكن، تعالوا بنا نعد لحظةً إلى مسألة شعبيّة كتاب "موجز تاريخ الزمن"، وعلاقته النسبيّة بمرض هوكينج وجُهد قلبه.

عندما ننظر إلى صورةٍ لـ فان غوخ، هل معرفتُنا بأنّ الرسّام كان يعاني من صعوباتٍ نفسيّة، أدّت به إلى قطع أذنه بيديه وإلى انتحاره في النهاية، تُغيّر شيئاً ما (أو يجب أن تغيّر شيئاً ما) من اندهاشنا بما أبدعه؟

هناك من يُصرّ على القول إنّ الإبداع الفنيّ يجب أن يُنظر إليه كإبداعٍ بصرف النظر عن المُبدِع، وإنّ حُكمنا أو تقديرنا يجب أن ينبعا، فقط، من إيجابيّات العمل الفنيّ أو سلبيّاته.

ولكن، من طبيعة الأمور أن ننظر جميعُنا إلى العالَم عبر نظّاراتٍ تصبغُها شخصيّتنا وذكرياتنا بلونٍ شخصيّ. فإذا كان الحال كذلك، فلماذا نحاول "تسمية" أفكارنا عن الفنان اعتماداً على تقييمنا لإبداعه، خصوصاً، أننا ننظر إلى عملٍ فنيّ؟

هناك من يقول إنّ العِلم شيءٍ آخر، "موضوعيّ" أكثر، حتّى أنّ معرفة العالِم، التي تكشفُ المُخترِع، تُعتبر أقلّ أهميّة، لذا، نستطيع أن نكون مفتونين بإنجاز هوكينج ومُتحمّسين لما توصّل إليه، ولكنّ تقييمنا لـ"الناتج" الخاصّ به لا يتأثر بما نعرف.

مع ذلك، من الواضح أنّ تقديرَ الجمهور للنضال الشجاع الذي يخوضه هوكينج، والتقدير الكبير لقدرة الرجل على التواصل، قد ساهم في ترويج مبيعات كتبه بشكل كبير. إنّ كلّ من رآه وجهاً لوجه، أو في فيلم، وسمع صوتَه الخارج من حاسوب (سِنثَسيزر)، يُعجَب بشكلٍ كبيرٍ، ليس فقط بالشخص نفسه، وإنما بعجائب الإلكترونيّات التي تُتيح هذا التواصل.

حياة نشيطة

تم تشخيص مرض هوكينج عام 1963، قيلَ حينها إنّه لن يعيش سوى بضع سنوات.

عام 1985، أصيبَ هوكينج بالتهابٍ رئويٍّ أيضاً، حتّى أنهم في المستشفى بجنَوَا يَئسوا من إنقاذ حياته، لكنّ زوجته لم تكن مستعدّة لقبول حُكمِ المستشفى، فنقلته جوّاً إلى إنجلترا، حيث أجُريَت له عمليّةً وأُنقذَت حياته. ولكنّه، أثناء العمليّة، فقدَ صوتَه.

26 عاماً بعد أن قيل له إنّه يحتضر، وضعَ هوكينج لنفسه في السنة الأخيرة برنامج العمل التالي (وهذه ليست سوى قائمة جزئيّة!):

آذار 1998: إلقاء محاضرة في واشنطن في إطار مشروع الألفيّة التابع للبيت الأبيض.

نيسان 1998: إلقاء محاضرة في ستانفورد، كاليفورنيا.

نيسان 1998: إلقاء محاضرة عن "نظريّة كلّ شيء" في تورنتو، كندا.

تشرين الثاني 1998: إلقاء محاضرة في موضوع "هل السفر عبر الزمن مُمكن؟" في سان خوسيه، كاليفورنيا، وفي دالاس، تكساس.

نيسان 1999: الظهور كضيف شرف في البرنامج التلفزيوني "عائلة سمبسون".

شيء لا يُصدَّق!

بصوت خفيض، لا بانهيار

ولكن، ماذا بشأن مساهمة هوكينج العلميّة؟

منذ بدأ طريقه، عمل هوكينج على المسائل الأساسيّة الخاصّة بمصدر الكون ومستقبله (عِلم الكونيّات)، وعلى القوى التي توجّهه. أثارت الثقوب السوداء متعته. الثقوب السوداء عبارة عن أجسام غامضة في الكون، لم يرَها إنسانٌ من قبل، ولكن مع مرور الزمن، تراكمت أدلّة كثيرةٌ على وجودها وشيوعها.

إذا كان هناك عددٌ كبيرٌ من الثقوب السوداء، فكيف يمكن ألا يراها إنسانٌ من قَبل؟

يعود ذلك إلى أنها تبتلع كلّ الضوء الذي يقع عليها (لذا فهي تُدعى "سوداء")، كما أنها تبتلع كلّ شيءٍ آخر يقترب منها. ينبع هذا الابتلاع من كتلتها الضخمة، التي قوّة جاذبيّتها عظيمةٌ لدرجةِ أنّ الضوء نفسَه لا ينجح في الهرب من أسنانها..

إنّ "جوع" الثقوب السوداء كبير جدّاً لدرجة أنّ الباحثين يعتقدون أنّ معظم المادّة الموجود في الكون، ستدخل في نهاية المطاف إلى ثقوبٍ سوداء، وذلك إذا "عاش" الكون ما يكفي من الوقت. (إنّ بديل "أن يعيش الكون لما يكفي من الوقت" هو انهياره في نهاية المطاف في "انسحاقٍ كبير – Big Crunch"، ولكنّ هذا الاحتمال لا يبدو مُرجّحاً اليوم).

حتى عام 1970، اعتقد الباحثون أنّ المادّة (بما فيها الضوء) التي تدخل ثقباً أسودَ تنتهي إلى الأبد من حيث الكون الذي نعرفه أو الذي نستطيع أن نعرفه، ولكن، توصّل هوكينج حينها إلى اكتشافٍ رهيب: لا بدّ للثقوب السوداء، عمليّاً، من بعث إشعاعٍ ما حتّى يكون من الممكن، في الأساس، "رؤيتها"، أو بكلماتٍ أخرى، حتّى يكون من الممكن التعرّف عليها من خلال هذا الإشعاع.

بالإضافة إلى ذلك: كلّ ثقبٍ لا "يأكل" مادّة جديدة، يضيء نفسَه في نهاية الأمر إلى أن يبتلع نفسه. إنّ اكتشاف هوكينج هذا غيّر كلّ تصوّر عن "موت" الكون. إنّه إنجازٌ مثير للإعجاب، حتّى عندما يدور الحديث عن أحداثٍ مستقبليّة لن تحدث إلا بعد مئات مليارات السنين! إنّ "الصوت الخفيض" الذي سينتهي به الكون (بل، للدّقة – يتضاءل)، سيكون عبارة عن مساحةٍ باردة، باهتة وغير بارزة، نسبيّاً..

نظرية كل شيء

منذ العام 1970، يعمل هوكينج، في الأساس، على تجربةٍ لإحدى الأفكار المختلفة في موضوع طبيعة العالم الفيزيائيّ.

نجح عُلماء سابقون له في بلوَرة نظريّةٍ موحِّدةٍ عن ثلاثٍ من أصل أربعِ قوًى طبيعيّة: الكهرومغناطيسيّة والقوى النوويّة الـ"قويّة" الـ"ضعيفة"، ولكن ليس عن قوة الجذب.

القوى النووية قصيرة الأمد، وهي لا تنبسط إلا في نطاقٍ ذريّ. كذلك، ليس للكهرومغناطيسيّة تأثيرات طويلة الأمد، حتّى أنّ قوة الجذب هي الجانب الأقوى في الصورة العامة للكون.

من هنا، ركّز هوكينج على توحيد المبادئ النسبيّة العامّة التي وضعها آينشتاين، التي تتعلّق بقوة الجذب، مع ميكانيكا الكمّ، التي تصف سلوك المادّة على النطاق المجهريّ للقوى النووية.

تقدّم هوكينج جداً في بحثه، ولكنّ نظريّة كلّ شيء النهائية، لا تزال بعيدةً عنّا..

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك