قصة إليزابيث بلاكويل

منذ #قصص عالمية

الطبيبة الأولى

لدينا نساء عالمات وطبيبات، مديرات وقاضيات. يمكن إيجاد النساء في كل المهن تقريباً، وليس من السهل تصديق تلك الأفكار المسبقة والتمييز الذي ساد في أوائل القرن التاسع عشر، عندما حاولت "إليزابيث بلاكويل" اقتحام عالم الطب الرجوليّ.

كلّ امرأة أقل ذكاء والتزاماً كانت ستتنازل عن الفكرة أمام كلّ الصعاب والعوائق التي واجهتها بلاكويل في طريقها إلى مهنة الطب. بلاكويل لم تتنازل عن ذلك، وأصبحت في نهاية المطاف أوّل طبيبة مؤهّلة في العالم الغربيّ.

المرأة الطبيبة كانت تُعتبر في ذلك الوقت أمراً "غير طبيعيّ، ولا يمكن تصوّره"، ومن المرجح أن كل من وقف عائقاً أمام تقدّمها وحاول إفشال طريقها لم يسأل نفسه بتاتاً لماذا شعروا بذلك وتصرّفوا على هذا النحو، ذلك الشعور أن مكان المرأة هو البيت كان عميق الجذور في الوعي، حتى أن بلاكويل لم تُقبل في كليّة الطبّ في إنجلترا "الليبرالية"، والتي ألغت قبل بضع سنوات فقط (عام 1833) العبودية.

لم يستطع الناس رؤية التشابه بين إلزام المرأة بالبقاء في المنزل وإلزام العمّال السود بالخضوع لأرباب عملهم.

عام 1840، عندما قرّرت بلاكويل أنها تريد أن تصبح طبيبة، نصحها البعض أن ترتدي ثياباً رجاليّة وأن تطلق على نفسها اسم رجل، لأنّه بهذه الطريقة فقط يكون لديها احتمال في قبولها لكليّة الطب، لكنها كانت تريد تعزيز حرية النساء بنفس الدرجة التي أرادت بها أن تصبح طبيبة، ولذلك أصرّت أن تقدّم طلباتها كامرأة.

"غلطة" حظّ

رُفضت الطلبات الـ16 التي قدّمتها؛ بينما قُبل الطلب السابع عشر، وقد حدث ذلك "عن طريق الخطأ".

المعهد الطبي التابع لـ"كليّة جنيف" في نيويورك طلب (وحصل على) موافقة كلّ الطلاب بالإجماع قبل قبول بلاكويل كطالبة طبّ. ربّما ظنّ الطلاب أن هذه خدعة ولذلك قرّروا أن يلعبوا اللعبة!

القبول لكليّة الطب كان التحدّي الأول فقط لبلاكويل كامرأة، فقد تمّ رفض تسجيلها للدورات المتعلّقة بجهاز التكاثر، وقام زملاؤها بمضايقتها، وزوجات المحاضرين اعتبرنها "شريرة أو مجنونة" (أو كلا الأمرين معاً) وقاطعوها.. لكن ذلك كله لم يمنعها من عبور الامتحان النهائي بأعلى تحصيل من بين جميع زملائها.

أصدقاء ذوو تأثير

بعد تخرّجها، سافرت بلاكويل إلى باريس لمواصلة تأهيلها. لكن لم يوافق أي مستشفى على قبولها، وقد نجحت فقط في القبول لدورة قابلات في كلية التوليد. خلال دراستها هناك، التقطت عدوى من طفل مريض، وأصيبت بالتهاب أفقدها إحدى عينيها، وهكذا ضاعت فرصها كلها للعمل في مهنة جراحية.

عندما منعوها من مواصلة دراستها في باريس، انتقلت بلاكويل إلى لندن، وهناك تمكنت بقدراتها الشخصية فقط من تلقي تأهيل أكثر تقدماً، أتاح لها ممارسة الطب لاحقاً، فقد أقامت علاقات مع شخصيات ذات نفوذ، ومنهم أرملة الشاعر بايرون وفلورنس نايتينجل، التي أصبحت لاحقاً أشهر ممرضة في التاريخ.

بلاكويل كانت مستعدة الآن للعمل كطبيبة، وشعرت أن فرصها الأفضل هي في الولايات المتحدة.

لم تنجح في إيجاد أي طبيب في نيويورك كان على استعداد لفتح عيادة مشتركة معها، كما لم يوافق أحد على تأجيرها مكاناً لتستقبل المرضى فيه.. وعندما وافق أخيراً أحد الأصدقاء على تأجيرها غرفة في منزل يملكه، سارع بقية السكان إلى المغادرة!

العيادة في نيويورك

لا شيء كان يستطيع كبح إصرار هذه المرأة الرائع والجدير بالتقدير، خلال سنتين افتتحت عيادة للنساء والأطفال الفقراء، وخلال ثلاث سنوات أقامت مع أختها وامرأة أخرى (كلتاهما حصلتا على الشهادة الطبية بدعمها هي) العيادة النيويوركية للنساء والأطفال الفقراء New York Infirmary for Indigent Women and Children فيما بعد باتت هذه العيادة مؤسسة تحظى باحترام كبير، وتتمتع بدعم واسع وهي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

بعد ذلك بأحد عشر عاماً، تم افتتاح كلية الطب للنساء بجانب العيادة، وفي عام 1910، مع وفاة بلاكويل، كان في الولايات المتحدة ما لا يقل عن سبعة آلاف طبيبة معتمدة.

ليس كل النساء مثل بلاكويل

نافذة الفرص التي فتحتها بلاكويل لم تولد من فراغ. في الأربعينيات من القرن التاسع عشر كانت هناك أزمة في مجال الطب. في أوروبا، وخاصةً في فرنسا، بدأوا في دراسة العلاقة بين أعراض المرضى وبين نتائج التشريح بعد الموت. لأول مرة في التاريخ، بدأ الأطباء بتحديد الأمراض بشكل واضح والتمييز بينها. ففي حين كانت الأعراض في الماضي هي التي تقرر مجرى العلاج، بات المرض – الذي يسبب مجمل هذه الأعراض هو الذي يحدد للطبيب طريقة العلاج. باختصار، أخذت تتطور نظريات جديدة، مع أنه لم يتم استبدال طرق العلاج القديمة بأخرى جديدة. فقد كل من الأطباء وعامة الشعب إيمانهم بالطب، ولذلك فُتحت الطريق أمام أطباء من نوع آخر، بمن فيهم النساء.

علاوةً على ذلك: في نهاية العقد تم اكتشاف مواد التخدير من الأثير والكلوروفورم. لقد ولّت تلك الأيام التي اضطر فيها الطبيب أو الجراح إلى التسبّب بآلام للمرضى. وهكذا، فقدت مهنة الطب قليلاً من طابعها "الرجولي"، على الأقل حسب النظرة التي كانت سائدة آنذاك، وبالتالي باتت مفتوحة أمام النساء كذلك.

وسام الشرف الملكيّ

كان إنشاء بلاكويل للعيادة بمثابة الذروة المهنيّة لديها، مع ذلك فقد استمرّت في العمل من أجل الأهداف القريبة من قلبها.

بعد أن عادت إلى إنجلترا، عام 1869، ساهمت في إقامة أول كلية طب للنساء في لندن The London School of Medicine for Women في ذلك الوقت، تم إدراج اسمها ضمن قائمة الأطباء البريطانيين (كانت أول امرأة في هذه القائمة)، وأخيراً حظيت بالتقدير والاحترام اللذين ناضلت طوال حياتها من أجلهما: كانت أول امرأة تُمنح "وسام الشرف الملكي".

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك