قصة شركة تويوتا

منذ #قصص عالمية

للحديث عن بدايات ونشأت شركة تويوتا علينا التحدث عن الرواد والمؤسسين لهذه الشركة العملاقة في عالم صناعة السيارات، وبداية لنتعرف على المؤسس الأول لهذه الشركة والتي حملت اسمه.

ساكاتشي تيودا (مؤسس شركة تويوتا للسيارات):

في عام 1867 ولد "ساكاتشي تيودا" ليكون مبدعاً خلاقاً وواحداً من أهم رموز النجاح في اليابان على مر العصور، ويبدو أن ساكاشي الطفل قد أحس بذلك وبدأ يتفاعل مع هواجسه القوية بكل عزم وإصرار حتى بلغ أشده ومن العمر مقتبله وعقد النية على ابتكار آلةٍ جديدةٍ يحتاج إليها سكان اليابان والعالم أجمع ولا يمكن الاستغناء عنها، ولعله أصاب حينما نظر فوجد الملابس تكسو أجساد من حوله، ومن هنا كانت الانطلاقة.

أمضى "ساكاشي" الشاب سنين طوال يملأه شعورٌ إيجابيٌ بأنه لابد وأن ينجح وأن الاستمرار في التجربة والخطأ هو الطريق إلى النجاح، وبالفعل نجح في ابتكار آلةٍ للنسيج في عام 1897.

وظلت قصص الفشل والنجاح الدؤوب ترافقه حتى أسس في عام 1918 شركة "تويوتا" للغزل والنسيج (أطلق عليها تويوتا بدلاً من اسم عائلته تويودا لتسهيل النطق).

وفي 1929 نجح "ساكاشي" ذي الستين عاماً في عقد أهم صفقات حياته، إذ باع حق ابتكار آلته الأتوماتيكية للنسيج لشركة إنجليزية مقابل 100.000 مائة ألف جنيه إسترليني ليكون هذا المبلغ هو الدفعة الأساسية والانطلاقة الحقيقية لشركة تويوتا للسيارات التي أسسها بعد أربعة أعوامٍ من هذا التاريخ بمساعدة ابنه "كيشيرو تويودا" (ولد في 1894 وتوفي في 1952) الذي كان قد ذهب إلى الولايات المتحدة في العشرينيات ليرى التجربة الأمريكية في صناعة السيارات بنفسه.

وأعجب الابن بفكرة فورد في الإنتاج (خط الإنتاج، وتخصص كل عامل في جزئيةٍ واحدةٍ فقط) وعاد أدراجه إلى موطنه وحاول أن ينقل التجربة لبلاده، لكنه لم يكن نقلاً أعمى كما يفعل الكثيرون، ولكنه نقل الواعي المدرك الذي استطاع تطويع التقنيات الحديثة لتتلاءم مع الاحتياجات المحلية مع الإصرار على مبادئه التي لا زالت شركة تويوتا العالمية تحافظ عليها حتى الآن.

وفي عام 1933 تأسس بالفعل قسم السيارات في المصنع التابع للأب "ساكاشي تويودا"، ولم يستغرق الأمر عاماً حتى نجح الابن "كيشيرو" في تصنيع أول محركٍ سياراتٍ من صنع يده وأطلق عليه A ليكون نواة سياراته التي توالى إنتاج النسخ التجريبية منها في عامي 1935 و1936 وكان أهمها الطراز المعروف باسم AA.

وفي أغسطس من عام 1937 تم تأسيس شركة تويوتا العالمية (TMC: Toyota Motor Company).

قامت تويوتا بتدشين أول طراز لها من السيارات الصغيرة (SA model) في عام 1947 وظلت تزدهر حتى أسست أول مصنعٍ لها خارج اليابان، وكان في تايوان عام 1949. كما أن إنتاج سيارات خارج اليابان قد بدأ في عام 1959 بمصنع صغير في البرازيل، ثم بعد ذلك تطورت شبكتها باقامة العديد من المصانع في مختلف بقاع العالم.

مؤسس شركة تويوتا "ساكيتشي تويودا" الأب (1867-1937) والابن "كيشيرو تويودا"

1952-1894

نماذج لموديل AA موديلات 1934 وموديل 1936 و1947 وتؤمن تويوتا بضرورة فهم طبيعة العملاء وتقديم المنتجات التي يرغبون فيها والتي تتلاءم وطبيعة المكان. إن هذه الفلسفة قد ساعدت في إقامة علاقة مصالح مشتركة طويلة مع الموردين المحليين كما ساعدت الشركة في الإيفاء بالتزاماتها نحو العاملين المحليين.

ولا نريد أن نغفل في نهاية هذه السطور ذكر أن تويوتا استطاعت بكل فخر أن تحصد المركز الثاني بين صناع السيارات في العالم متغلبةً بذلك على فورد برغم أنها تمتلك العديد من الماركات والشركات (جاجوار، مازدا، لاندروفر، أستون مارتن، فولفو) التي اشترتها خلال السنوات الأخيرة لتحافظ على مكانتها المفقودة ولتوضيح حجم تويوتا حالياً، تويوتا تنتج سنوياً ما يزيد عن عُشر إنتاج العالم بمراحل، فإنما يعني ذلك أن لها ثقلاً مدوياً في عالم صناعة السيارات، بل إنها بمصانعها المنتشرة في أرجاء المعمورة (59 مصنعاً في 28 دولة) أضحت تؤثر في هذه الصناعة بقوةٍ لا يحلم بها الآخرون.

بدأ حفيد مؤسس الشركة "أكيو تويودا" يطمح نحو السيطرة على إدارة شركة جده بعد أن دفعه لذلك بعض المديرين والموظفين في الشركة نفسها، ومع أنه يرفض القول بأنه يتطلع لمنصب رئيس الشركة لكنه يقر بأنه يحمل في نفسه طموحاً كبيراً، قائلا:" إن هدف عائلتنا أن تبقى هي المسؤولة عن توجيه الشركة ووضع سياساتها..".

ولكن الأمر غير الطبيعي في وضع شركة تويوتا حالياً هو أن رئيس الشركة ولأول مرة يقف متحدياً هذا الهدف، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ الشركة، فهيروشي أوكودا رجل التسويق والمال من خارج عائلة تويودا، هو أول رئيس للشركة من خارج العائلة المؤسسة يصل إلى هذا المنصب منذ 3 عقود، وقد بدأت جهوده منذ عدة سنوات محاولا بها تغيير كثير من سلوكيات وثقافة موظفي وعمال الشركة معتقدا أن أيامها ستكون معدودة ما لم تتغير ويقول أوكودا :"إن المحسوبية لن تكون جزءاً من مستقبل الشركة لو أردنا لها البقاء" منتقدا طموحات "أكيو" ومعتبرا ما يطالب به أمراً لم تطالب به العائلة كما هاجم الموالين لعائلته من المديرين والموظفين .

ويعتقد المحللون اليابانيون أن جهود "أكودا هيروشي" ومع أنه ليس من عائلة تويودا أثرت على تنافسية الشركة وأحدثت في مكانتها تغييراً إيجابيا بعد أن كسبت أكبر قيمة سوقية لشركة يابانية في العالم وصلت إلى 190 مليار دولار، وفي المقابل لا تمتلك عائلة تويودا إلا 2% فقط من الأسهم لكنها بقيت مسيطرة على الكثير من المناصب الإدارية وكذا زرعت موالين لها من خارج العائلة لكفاءتهم .

لكن الذي يدفع المعارضين لتسليم الرئاسة لأكيو تويودا وعودة السيطرة العائلية هو الأزمة التي عانت منها الشركة في بداية التسعينيات عندما كان عم "أكيو" المعروف باسم "تاسورو تويودا" قد أوصل الشركة لأسوأ فتراتها، فرقى "هيروشي" مع أنه من خارج العائلة لينقذ بخبرته الإدارية الشركة من الغرق وينقلها لمرحلة الإدارة المحترفة غير التقليدية اقتفاء لأثر شركات كبرى أخرى مثل سوني وهوندا .

ولكن لو كان الحفيد أكيو -الذي كان في الثلاثينيات من عمره في بداية حملة هيروشي لإعادة هيكلة الشركة- مجرد ولد مدلل لما استطاع البقاء لكنه أظهر مهارة في الوظائف التي سلمت له مما جعله يصف نفسه بأنه صاحب "طبيعة راديكالية" في عملها مقارنة بأقربائه الآخرين عندما وجه الشركة لأول مرة نحو اقتصاد الإنترنت بالرغم من المعارضة الداخلية له .

ويقر "أكيو" أن وجوده له أثر في انقسام الشركة بقوله: "هناك فريق معي وفريق ضدي وضد عائلتي بشكل كامل"، و كان بعد إهماله للدراسة في مرحلة الثانوية وانشغاله بالأنشطة الرياضية بدأ التغيير في حياته عندما دخل المرحلة الجامعية حيث درس التجارة في إحدى جامعات بوسطن ودرس الاستثمارات البنكية والاستشارات في لندن ونيويورك، وقال: "أينما ذهبت كان الناس منجذبين لخلفيتي العائلية وعندما عرضت على والدي الانضمام للشركة كموظف فيها – والده الرئيس الفخري للشركة – عارض ذلك وقال: لا أحد سيرضى أن يكون رئيس عملك". لكنه في النهاية انضم للشركة عام 1984 وكان يبلغ من العمر 27 عاما.

والجدير بالذكر أن عائلة تويودا ظلت ممسكة بزمام أمور الشركة منذ أن أسست عام 1937 تخلل ذلك فترات فاصلة في الخمسينيات والستينيات، وكان "إيجي تويودا" عم "أكيو" هو الشخص الذي حول تويوتا لشركة عالمية، ومن أفضل الشركات الصناعية في عالم السيارات ثم أدار الشركة "شويتشيرو" والد "أكي"و حتى عام 1992 عندما استلم القيادة عمه الآخر "تاسورو".

وبعد سنوات من التنقل بين عدة وظائف انتقل "أكيو" إلى وحدة مكتب بحوث الإنتاج المسؤول عن تطوير أساليب وتقنيات تصنيعية تنافس تقنيات الشركات الأخرى وصحب في ذلك كبار مهندسي الشركة، وقد تدرب هناك تدريباً جديداً، ودفعه بعض المهندسين ومنهم مدير الشركة "فوجيو تشو" الذي رقى الأمير والشاب الطموح لمنصب في قسم المبيعات والتسويق عام 1992 وكانت هذه بداية أخرى، واقتراباً من المناصب العليا في الشركة.

وفي هذا القسم المهم بدأ "أكيو" يثبت وجوده بطرح أسئلة ومقترحات جديدة مثل: لماذا يستطيع المصنع وخلال 20-30 ساعة أن ينتج سيارة بينما يأخذ إيصالها واستلام المبلغ من وقت الوكلاء داخل اليابان 40 يوما أو أكثر لإنهاء عملهم؟ ولماذا لا نؤسس وحدات تركيبية للسيارة بالقرب من محلات وصالات العرض؟

وقام بحملة تفقدية مفاجئة للوكلاء ومراكز خدمة الشركة في يوليو 93 بالرغم من عدم اتفاق الإدارة على ذلك.

ولتكوين تكتل جديد من موظفيه والإسهام في إحداث تغيير في الشركة إختار 4 من المهندسين الموالين له من قسم الإنتاج وأسس معهم مكتب "تعزيز الثورة-التجارية" لشحذ فعالية تجميع الموارد في مراكز توزيع وخدمات الشركة، ووجد من البعض استجابة جيدة ومنهم "موتو كاتسوماتا" أحد المنفذين في الشركة وموزع سياراتها ضمن شبكة توزيع كبيرة يمتلكها بالقرب من طوكيو، فقد أعطى لأكيو الفرصة ودعاه لزيارة أكبر مراكزه التوزيعية الذي تكلف بناؤه 120 مليون دولار، لكن أحد مرافقيه فاجأ صاحب المركز التوزيعي الكبير بمهاجمته لفكرة المعرض الجديد الضخم، وقال: "إنه محشو بالموظفين بدون فائدة" وبدأ فريق أكيو عمل تغييرات في مراكز التوزيع، فقللوا من عدد العاملين، وسرعوا من عملية تسليم السيارة للمشتري، وزادوا من ساعات العمل..

وفي الوقت الذي كان نجم "أكيو" يصعد كانت الشركة تعاني من سوء إدارة عمه "تاسورا" الذي كان رئيساً لها الذي هاجمه الكثيرون لجهله فنيات إدارة شركة ضخمة كتويوتا، كما هوجمت تقاليد الشركة الملتزمة ببقاء الإدارة بيد فرد من عائلة معينة، وذلك عام 1995 خاصة بعد تعرض "تاسورا" لجلطة أعاقته عن العمل، ودفع وضع الشركة السيئ إلى ترقية رئيسها الحالي "أكودا" وقد أثبت الرئيس الجديد من خارج العائلة جدارته، ومن ذلك رفع الوحدات المبيعة في سوق أمريكا الشمالية من 730 ألف سيارة سنويّاً عام 1995 إلى أكثر من مليون سيارة العام الماضي.

صناعة المستقبل

ولم يغب في هذه الفترة الحفيد 'أكيو' عن الساحة، بل ظل يساهم في صنع مستقبل الشركة، ففي عام 1995 طرح على صديق له سؤالا فحواه: هل يحب اليابانيون السيارات البيضاء التقليدية أم الألوان الجديدة والفاقعة؟ وكان صديقه هذا "ماكوتو ناروكي" مدير شركة مايكروسوفت باليابان، وطلب من هذا المستشار غير الرسمي مساعدته في حل مشكلة خيار المشتري.

وبعد 6 أشهر عرض على صديقه هذا خطة شبكة معلوماتية حاسوبية تربط مراكز التوزيع بالمصانع ومعرفة ما يريدون وتقوية سوق السيارات المستعملة، وكانت الإنترنت حينها أداة تجارية جديدة لم تكن ببال أكيو؛ فنصحه مدير مايكروسوفت بالاعتماد على شبكة رخيصة وجديدة وهي: الإنترنت، وبالفعل وخلال أقل من عام، عمل خلاله أكيو وفريق مهندسيه الخاص لتأسيس محلات بيع وعرض واختيار افتراضية البداية ومع عدم اقتناع الكثيرين من المديرين كبيري السن ليس في شركة تويوتا فحسب ولكن في كل أنحاء العالم- بالإنترنت هاجموا مشروع بيع سيارات تويوتا على الإنترنت.

خاصة عندما طالبهم أكيو بميزانية إضافية لتطوير الموقع وبدأ العمل التجريبي بميزانية قدرها 7 ملايين دولار، وكان الخائفون هم موزعو الشركة عن طريق مراكزها ومعارضها التقليدية الذين رأوا في ذلك تهديداً لوظيفة الوكلاء عندما يتحول الناس للشراء من على الشبكة، لكن حملة الإعلان عن الموقع الجديد كانت ناجحة وقتها ابتداء من إبريل عام 1998، حتى أن أحد المديرين دخل مكتب "أكيو" وبدا الصراخ عليه في اليوم التالي عندما عرف أن الأسلوب الجديد لبيع سيارات تويوتا سيهدد وظيفته.

واليوم تضم "غازوو.كوم" محلات افتراضية لسلع أخرى غير السيارت مثل الكتب والأشرطة، وأدخلت شركة تويوتا للتجارة سلعا أخرى غير السيارات.

وبقي التناطح بين عائلة تويودا ورئيسها "هيروشي"، ففي عام 1998 انهار بنك "ساكورا" الذي تعتمد عليه شركة تويوتا في قروضها والمقرب من "هيروشي"، وتدخل بنك "ميتسوي" باندماجه مع بنك "ساكور" وكان لميتسوي دور في مساعدة شركة تويوتا بعد الحرب العالمية الثانية، ولعائلة ميتسوي روابط مصاهرة مع عائلة تويودا؛ مما قوى شوكة عائلة شركة تويودا وعندما طبع الكتاب السنوي الدعائي لشركة تويوتا عام 1998 أبرز حلفاء عائلة تويودا فيه من قسم الإعلام دور "أكيو" خاصة في إعداد الشركة والتأقلم مع عصر التسويق والتجارة الإلكترونية، وطبعت فيه العديد من صوره، قبل أيام من نقله ليكون نائب رئيس في مصنع مشترك لتويوتا وجنرال موتورز في كاليفورنيا، وقد بدأ يشرف على مشاريع بحوث مشتركة بين الشركتين العملاقتين.

وفي يونيو 1999 عين "فوجيو تشو" وهو أحد حلفائه منذ البداية مديراً للشركة، ويقول أحد المديرين المحايدين: "من أهم وظائف المدير الجديد ضمان استمرار ترقية "أكيو تويودا" ليصل إلى الرئاسة.." وفي آخر هذا العام سيرجع "أكيو" إلى اليابان ليكافأ بتعيينه في أعلى مجالس إدارة الشركة. ولكن رئيس الشركة أوكودا مستمر في إضعاف محاولات العائلة استعادة السيطرة على الشركة، فهو عازم على إدراج أسهم الشركة في بورصة نيويورك لتفتيت ملكية الشركة حيث لا يملك المستثمرون الأجانب حتى الآن إلا 8.8% من مجموع الأسهم.

لقد صنعت تويوتا السيارات بأسلوب أسرع وأكثر ثقة من غيرها وبسعر تنافسي حتى وإن كان عليها دفع أجور عالية نسبياً للعمال اليابانيين.

وتحتل تويوتا اليوم المرتبة الثانية بعد «جنرال موتورز»، أكبر صانع سيارات في العالم، وتخطى معدل مبيعاتها في العالم ستة ملايين سيارة سنوياً في 170 بلداً.

ويقدر المحللون في قطاع السيارات أن تتمكن تويوتا إذا استمرت على هذا النحو، من تخطي «جنرال موتورز» لتصبح بدورها أكبر صانع للسيارات في العالم.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك