الزعيم الأوروبي الذي حاصر شعبه

منذ #قصص تاريخية

تقع دولة ألبانيا بين معسكري ، الشرق العثماني والغرب الأوروبي ، وقد جعلها موقعها هذا ساحة حرب لكلا الطرفين ، خاصة وأن أغلب سكانها مسلمون ، هذه البقعة التي يجهلها الكثيرون على الرغم ، من وقوعها قبالة البحر الأدرياتيكي ، بمحاذاة شبه لجزيرة الإيطالية ، حيث يفصلهما عن بعضهما ، حوالي سبعين كم من المياه

سكان ألبانيا كانوا يتباينون فيما بينهم ، بالعمل تارة واللهجة تارة أخرى ، حيث كان منهم من يعمل بالزراعة أو الرعي ، وكان العديد منهم ينتمون لقبائل مختلفة ، فتعددت اللهجات ، وكان الأغلبية العظمى منهم ، يدينون بالإسلام ، خاصة بعد أن ضمها العثمانيون إلى مملكتهم ، إثر انتصارهم في موقعة كوسوفو بقيادة ، السلطان العثماني مراد الأول عام 1389هـ

على الرغم من اهتمام العثمانيون ، باتساع مملكتهم إلا أن ألبانيا كانت هي الجزء ، الذي تم إهماله فلم يولها العثمانيون الاهتمام الواجب ، وذلك على مدار خمس قرون ، كانت تقع فيها ألبانيا تحت سلطة العثمانيين ، فكانت إقليمًا بدائيًا تعتمد على الرعي والزراعة ، ولكن مدنها الصغيرة باتت أكثر بدائية ، وتفتقر إلى كافة التسهيلات الحديثة ، من شبكات للصرف والكهرباء والهواتف وغيرهم

من حرب التحرير إلى القبضة الحديدية :
كانت ألبانيا قد سقطت في قبضة الاحتلال الإيطالي عام 1939م ، وكان في هذا الوقت شخصًا يدعى أنور خوجة ، يعمل معلمًا بإحدى المدارس ، ولكنه تم فصله نظرًا لأفكاره الشيوعية ، التي تستهدف كذلك ، التخلص من المحتل الإيطالي ، فقام بفتح كشك لبيع السجائر ، وبقي هذا المكان ، مقرًا لتجمع كل رفاقه من الشيوعيين ، الرافضين للاحتلال الإيطالي ، وبدؤوا يفكرون في كيفية التخلص من هذا الاحتلال

كل من شاهدوا مولد وحياة أنور خوجة ، لم يتوقعوا منه أن يصل به الحال ، كأحد مؤسسي المذهب الشيوعي المتطرف في ألبانيا ، فقد درس أنور خوجة عام 1930م في المعهد الفني الأميركي ، في مدينة تيرانا عاصمة ألبانيا ، واستكمل دراسته في فرنسا بمنحة ساعدته على السفر ، ليلتحق بالعمل لعامين في القنصلية الألبانية في بلجيكا ، وذلك قبيل عودته إلى ألبانيا ، وعمله فيها معلمًا بإحدى المدن الألبانية الصغيرة ، وكان أنور خوجة في هذا الوقت ، قد تشكلت عقليته ، نحو الأفكار الشيوعية بوضوح

وبحلول عام 1941م قام أنور خوجة بتأسيس  ، الحزب الشيوعي الألباني ، وذلك بالتعاون مع بعض الشيوعيين الصرب ، في صربيا المجاورة لألبانيا ، خاصة بعدما تردد اسمه كثيرًا في الأوساط اليسارية في البلقان ، وكان هذا الحزب قد بدأ في شن بعض حروب العصابات ، في الاتحاد السوفييتي ، إثر الاحتلال النازي لهم

استعاد السوفييت زمام أمورهم ، مع مطلع عام 1943م ، وزاد تمردهم فحملوا السلاح ، وبدؤوا في الانتفاض بالمناطق التي سيطرت عليها النازية ، وتمكن جيش التحرير الألباني ، من احتلال العاصمة تيرانا عام 1944م ، ليستعيدوها من بين فكي الألمان مرة أخرى ، مستغلين تفككهم الواضح في تلك الفترة

نصّب أنور خوجة نفسه رئيسًا لألبانيا ، بعد انتزاعها من الألمان ، إلى جانب منصبه كسكرتير أول ، للجنة المركزية بالحزب الشيوعي الألباني

في البداية لم يظهر أنور خوجة ، وجهه الشيوعي المتطرف ، أو طمعه الواضح في السلطة والسيطرة على زمام الدولة ، فبدأ بقوانين الإصلاح الزراعي وانتزاع ملكية الإقطاعيين ، وإعادة توزيعها بين أفراد المجتمع ، مما جعل المواطنين يفرحون بتلك السياسات ، خاصة بعد أن تحسن بالفعل الإنتاج الزراعي ، وأولى للصناعة اهتمامًا ضخمًا ، وعمل على تحسين شبكات النقل والمواصلات

انهالت المساعدات على أنور الخوجة ، من جانب كافة الأنظمة الشيوعية ، خاصة الاتحاد السوفييتي ، الذي أبدى إعجابه بشخصية الخوجة ، نظرًا لإعجاب الأخير بستالين ، والذي سار الخوجة على أثره ، حتى في عمليات القمع الشديدة لمعارضيه

مع اندلاع الحرب بين كل من المعسكرين الشرقي والغربي ، بدأ الخوجة يحكم قبضته على السلطة ، بيد من حديد ، وتمسك بعدم استدراج ألبانيا لأية سلطات ، غير شيوعية حيث كانت معظم الدول الأوروبية ، تبث أفكارًا ليبرالية لألبانيا طيلة الوقت ، إلا أن الخوجة حرص على عدم إتاحة الفرصة ، لأية حريات سياسية أو تعبيرًا عن الرأي

دائمًا ما كان الخوجة يفكر في الخوف ، من أية تظاهرات داخلية أو غزو خارجي ، يطيح به من منصبه فجأة ، خاصة وأن أعداء الشيوعية كانوا منتشرين في كل مكان ، كل ذلك دفع الخوجة ، لاستهلاك الكثير من موارد الدولة ، في إنشاء الثكنات العسكرية ، على طول الحدود وبالأماكن الحيوية ، في الدولة ، حيث بلغ عدد الدُشم أكثر من مائتي ألفًا ، وحتى سبعمائة وخمسين ألف دُشمة محصنة ، وهو عدد ضخم جدًا

كل ذلك حول ألبانيا إىل معسكر صغير ، غابت عنه الحياة المدينة المستقلة ، في مقابل تجربة تعميم الثكنات العسكرية ، حيث نفذ الخوجة مقترحات أحد المهندسين ، خاصة بعد اختبار هذا الحصن ، وقدرته على التصدي للدبابات ، ومهاجمتها أيضًا بضراوة شديدة ، حيث أمر الخوجة بوضع المهندس الذي نفذها داخل إحدى الثكنات ، ولما نجا من الموت المحتم ، أخرجه الخوجة ثم أمر بتعميم التجربة ، في كافة أنحاء ألبانيا ، فتحولت إلى ثكنة عسكرية صغيرة ، والتي مازال الكثير منها موجودًا كمزار سياحي ، في ألبانيا حتى وقتنا هذا

وفاة الخوجة :
توفى أنور الخوجة عام 1985م ، وأشرفت ابنته بعد ذلك ، على تأسيس هرم بالغ الضخامة ، في قلب العاصمة الألبانية تيرانا ، على أن يكون مبطنًا من الداخل ، بأجود وأفخم أنواع الرخام ، ليحمل ذكرى والدها ، ولكنه تحول فيما بعد إلى رمز ، لانهيار الشيوعية داخل ألبانيا

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك