قصة المؤتمنة عبير

منذ #قصص اجتماعية

لكل زمان حكمته بالتأكيد ، لا تبقى الأيام رهن أمرك فلو انقلب الحال عليك يومًا لتمنى المرء لو لم يخلق ، عبير التي كانت تتحكم بالرجال أيّام صباها وتمنوا أن ينالوا ظفر اصبعها ، أيام الستينات والسبعينات كانت وقتها من جميلات منطقتها ، لا تصل في حُسنها أي من النساء ، بل قل نظيرها آنذاك

عبير بعد الخمسين :
أمّا الحلي من الذهب والألماس لم يعد لها أثر في عنقها أو أذنيها أو حتى ساعديها ، ولا للجمال القديم مكان وكل من يجاملها الآن تحس فيه الفتور وقد علمتها الأيام البرود ، فهي تعلم الآن انها لا تعني شيئا للرجال ، فقد انتهى عهدها وهي تستقبل الخامسة والخمسين

العميد حسن :
فجأة طرق بابها ، العميد حسن ، المعاون الإداري في أمن الدولة ، كان على علاقة بها منذ أن كان ملازما ، فتحت الباب واستقبلته ، دنا منها ليقبلها فأبت ، ثم سمحت له بالدخول ، العميد حسن تصرفاته تدل على غبائه بل هو شخصية ضعيفة ، شاربه الفضي يكاد يخفى تحت أنفه الكبير الذي زاد ضمور الوجه ضخامة ، كان ذلك المنظر ممن لا يعرفه يستحق العطف ، ولكن لو علم الناس مد إجرامية في قمع الشعب ، لكرهوه وقطعوه قطعاً صغيرة

قال : ليس عندي شيء آكله فمنذ البارحة والمطبخ خالي أجابته بشياكة : هل عندك شيء من النقود ؟ ، فارتسم الامتعاض على شفتي العميد الباهتتين : بلا شك خذي ، ناولها بعض النقود ، فلم يرق لعبير ما استلمت ثم خبأتها تحت وسادة الكنبة التي تجلس عليها ثم رأت العميد يرنو إليها بنظرة غريبة إليها ، فسألته : ما بك ؟ابن العميد :
قال : ابني يتردد عليك كثيراً هذه الأيام ، وأرجو أن تمنعيه من المجيء يا عبير رمقته عبير بنظرة استهزاء ثم قالت : عليك أن تقلم مخالب الشكوك ، فابنك لا يشتهي حتى أن يتكلم معي ، أنه على علاقة بإحداهن ويتردد عليّ لكي أهييء الجو بينهما ، ثم أردفت وهي تنظر نظرة غضب للعميد : كأبيه وأنا ، عندما كنا نلتقي في أيام الصبا

خوف الأب :
سيضيع مستقبله ، فقد بدأ يسكر بلا هوادة ، ولا يهتم لعمله كضابط أمن ، حالته لا تعجبني ، قالت له : إذن أخبره أن يقطع علاقته بست الحسن ، فأنا ثم قطع كلامها صوت جرس الباب !!الملازم ناصر الابن :
اضطرب العميد حسن ثم قام ليختبئ في حجرة نوم عبير ، قهقهت مستهزئة بالعميد ثم توجهت لتفتح الباب ، فإذا به الملازم ناصر ابن السيد العميد يقف أمام الباب ، دخل الملازم ناصر بملبسه الأنيق ، جاكيتة سوداء وبنطلون اسود الذي نم على نحافته وطوله ، يتطلع الى سقف البيت تارة والى عبير تارة أخرى ، وقد أضفى عليه شاربه المربع الغزير الأسود وقاراً ورجوله

ترحيب :
أهلا بسيد الكل كيف حالك ؟ قالت عبير تحيي الشاب بحرارة وابتسامة عالية تدل على فرحتها بقدومه .. ثم جعلته يتبعها إلى غرفة الضيوف وجلس على الكرسي بجانب الأريكة التي تجلس عليها عبير ، لمح الشاب الوسيم نظرة خابية في عين عبير ثم ما لبثت أن سألها : هل زرتك في وقت غير ملائم يا ترى ؟صرّ والده أسنانه من خلف الباب ، وهو مختبئ في غرفة النوم ، ثم تمتم بصوت خافت : فعلا وقح لم تأت إلا الآن ؟ لا أبدًا ، أجابت عبير لتطرد القلق الذي عمّ فجأة من وجهها بابتسامة مصطنعة ، ثم سدد ناصر عينه الى باب حجرتها فلاحظت عبير ذلك

شك :
ثم أسرعت بالقول : ما هي آخر نشاطاتك مع النساء ، ألم تقرر أن الزواج ؟ أجابها : آه لا ، عبير الجماعة ، ولم يلبث أن يكمل كلامه حتى قفزت عبير لتسد ثغره بيديها قلقة ، ثم همست له : بعدين صديقتي في الدار ! سكت ناصر ، ولكن لم تقنعه بأن الموجود في البيت هو أنثى ، وأن عبير تخشى أن تعلم صديقتها ما يدور بينهما ، بل هو مقتنع تماماً أن الموجود هو زبون ، ولكن ناصر جاء بعد أن ظن عبير وحدها ، لكي يفشي لها بأمور خطيرة

أمن دولة :
في الحقيقة قصة العميد حسن ، والملازم ناصر لهما أسلوب متشابه ، فالاثنان تورطا في بيع معلومات أمنية لجهات معادية للنظام الحاكم ، كما أن عبير كانت مؤتمنة لحظة انخراطها في بادئ الأمر في العمل مع الجهات الأمنية

وكان ذلك في بداية الستينات مع العميد حسن الذي كان يعمل ملازماً في التحقيق السياسي آنذاك ، وكانت له علاقة غير شرعية مع عبير ، واختيارها في نفس الوقت للعمل معه لصالح عمله الأمني ، مستغلاً جمالها و فتنتها ، إضافة إلى أنها كانت تملك صالون حلاقة ، وكانت مركزا للقاءات النسوية المشبوهة آنذاك

بين الماضي والحاضر :
ولكن بالمقابل كانت عبير ذكية ، فقد كانت تلعب على وترين ، وتسحب كل معلومة أمنية من العميد حسن بدهاء حاد ، الى أن تورط من غير أن يحس بأنه قد زود وغذى فضول العناصر المعادية ، بكلما يحتاجونه في عملهم ، والآن وبعد أن انتهت صلاحيته ، ونقل العميد إلى القسم الإداري ، عليهم أن يتخلصوا منه ، فالملازم ناصر ضابط كفء ، في قسم التحقيق وسيفي بالغرض

ذكاء الملازم :
قطبت عبير وجهها ، ثم ابتسمت وتوتر حالها ، وهي تخرج الابتسام بالتقطيب ، لتخلص شكوك الملازم الذي بدأت تلازمه ، فهو ضابط ذكي رغم أنه يستسلم لغرائزه بسرعة جنونية ، وبالرغم من ذلك فهو أذكي ضابط في قسم التحقيقات ، واستطاعت عبير أن تكسبه وتورطه مع المجاميع المعاديه

الاستغناء عن العميد :
الجماعه المعاديه التى تعمل معهم عبير ، أمعنوا في اصرارهم على التخلص من العميد حسن ، وكل الاوراق والحقائق التي تؤكد تورطه معهم ، جاهزة لإرسالها في بريد سري للغاية ، وشخصي إلى مدير الأمن العام ، إضافة إلى أفلامه الجنسيه المصوره من دون أدراك العميد حسن ذلك ، وكل الادلة موجودة منذ أن كان ملازم ولحد الآن ، والآن وهو كهل لم يعد يعني لهم شيئًا ، حتى عبير التي رمى بها الزمان إلى رذيلة الشيخوخة لا تقبله كعشيق رغم تلهفها في للفراش في هذا العمر

مراجعة النفس :
رجع العميد حسن إلى مكتبه منهكاً خائر القوى ، ثم انكب على أوراقه ، تحت لافتة البسملة ثم غرق في التفكير ، فهو يحس أن ابنه ناصر تورط مع عبير في تسريب المعلومات الأمنية وهذا شيء خطير

فتح عينيه بوجع كبير يحسه في صدره ، وما أن نهض حتى تهالك على مقعده ، من ألم لازمه في صدره ثم تمتم في نفسه : لقد حل بي كيد العابثين ، لم تنجح امرأة مني ومن شهواتي ، هددت النساء بينما أزواجهن يصارعون مصير الموت في السجن ، ظلمت وقتلت وتهدمت بيوت الارامل من كيد ما عملته يدأي ، والآن دائرة السوء تدور على ابني

ولكن القتل قد فات يا سيدي كيف ستعالج أمراً يرتبط في أمن الدولة ؟ وكيف ستنجي ولدك وأنت بالأساس متورط معهم ؟ ، لم يكن يستبعد بأن التنظيم المعادي للدولة سيتخلصون منه في أي وقت يشاءون ، ولذلك كان يفكر في الانتحار قبل أن يحين وقت اعتقاله بالمسدس الموجود في درج مكتبه ، وجاهز في أي لحظة لتصويب طلقة الرحمة في رأسه والاسترخاء الدائم

معاناة العميد :
ما يعانيه ليس سهلاً ، فقد كهل ويحس نفسه أن عهده قد انتهى بل انتهى بالفعل ، الباقون من زملاؤه قد ترقوا إلى رتب لواءات ومدراء محافظات ، أما هو مجرد معاون إداري جُمد نشاطه بسبب سلبياته ، ومن مدير التحقيق إلى ضابط إداري

ساعة الصفر :
كانت عبير قد تلقت رسالة من التنظيم في الوصول إلى معلومات وافرة ودقيقة ، حول مجريات التحقيق بخصوص عملية ساعة الصفر ، والتي خططت في ضرب المسئولين الكبار ، بالإضافة إلى الهجوم بصواريخ الكاتيوشا المحلية الصنع على مديرية أمن البصرة ، إلا أن الأمن الداخلي وبفضل جدية عمل منتسب ، استطاعوا احتواء القضية والقبض على التنظيم الارهابي في غضون أسابيع معدودة وقبل خروجهم إلى خارج القُطر

رد فعل التنظيم :
وفي نفس الوقت لم يتأخر التنظيم في إعداد الوثيقة التي تثبت تورط العميد حسن معهم إلى مدير الأمن العام لاعتقال السيد العميد وإنهاء قصته ، ولكن بعد الانتهاء من المشكلة التي ضربت بهم وبأعضائهم المعتقلين في عملية ساعة الصفر

عبير والعميد :
رنا العميد ببصر خاب وغمغم : أرجوك ابعدي ابني عن اللعبة .. أجابت عبير وهي جالسة بقميص النوم الفضفاض على أريكتها تحتسي الخمر : أمازلت تعتقد أني ورطته في القمار والعلاقات غير الشرعية ؟ قال العميد : أنت تعرفين ما أقصد ، الرجل متورط بعمليات سياسية ولا أرى أنه سيفلح كما أبيه في التعامل معكم !قالت مستهترة وبضحكة ثملة : وهل أفلحت في خدمتنا يا سيادة العميد ؟ أجابها : صحيح تورطت معكم ، وكنتِ أنتي أذكى مني بمعرفتك بنقاط ضعفي ، التي لم أقاومها ولكن أرجوك ابعدي ولدي عن طريقكم

قامت بقصد طرد العميد فوضعت الكأس النصف مملوء من يدها على الطاولة وقالت بهدوء : لا تطل الحديث ، على فكره يا حس ، أنا بانتظار زوار ولو تتكرم الآن بالمغادرة سأكون شاكرة جداً ، كانت صفعة له ولكن تدارك نفسه ، لا يستطيع الرفض ، فهي أقوى منه وتملك زمام الأمر بيدها لتنهي قضيته

الندم :
كان حزينًا على مكانته وهيبته ، لقد أصبح قرقوشاً يسخر منه الجميع ، حتى حارس باب المديرية ، لم يقم بتحيته في احدى الليالي  أثناء عودته بسيارته ، أحس العميد بأنه لا حيلة له فهو ميت بالرغم من أنه يتنفس ، صعد إلى سيارته ثم أخذ يرنو بعينيه إلى المنزل ، يراقب بعينين بائستين ثم ادار محرك السيارة وغادر

الملازم ناصر :
كان الملازم ناصر حريصاً على تزويد التنظيم بالمعلومات الأمنية المهمة ، فالسيارة الجديدة أغرته ، ونجحت في جعله يبيع كل غالي ونفيس ، كان لا يفرق بين الوطن والعلاقات غير الشرعية ، فكل يوم امرأة حسناء والدولارات التي ترسل في حقيبة جلدية فاخرة ، كانت كفيلة أن تجعل منه رجلاً بلا ضمير ، إنه الآن على علاقة بفتاة في الرابعة والعشرين ربيعاً ، ستتكفل به حسب أوامر التنظيم

بعد مرور عام :
وفي صبيحة أحد الأيام ، وبعد مرور سنة على ما دار بين عبير والعميد ، وصل طرد بريدي كبير إلى مكتب مدير الأمن العام ، وبعد التأكد من خلو الطرد من المتفجرات فتحه مدير الأمن العام ، وكان الطرد يضم أفلام اباحية وتسجيلات صوتية للعميد حسن توضح تورطته مع التنظيم المعادي ، فأصدر مدير الأمن العام وبلا تردد مذكرة للقبض على العميد حسن

الموت :
جلس السيد مدير الأمن العام ثم تأمل أرجاء مكتبه الكبير ، حتى استقرت عيناه على لافته تتوسط غرفته مؤطرة بإطار ذهبي مكتوب عليها : كيف يخون المرء وطنه ، وقد حزنت لبيع داري لأخي ، ولكن ما ان وصل خبر الاعتقال عن طريق الهاتف من شخص مجهول ، إلى السيد العميد حتى كان جثة هامدة في سريره ، انتحر برصاصة استقرت في رأسه

نهاية عبير وبداية شهيرة :
أما عبير فوجد أهالي البصرة جثتها ، تطفو على النهر الجاري بين مناطق البصرة ، فتم التقاطها وتحويلها إلى الطب العدلي ، والملازم ناصر يعيد دور والده مع شهيرة ، ذات الـ 24 ربيعاً العشيقة المندسة من التنظيم ، وهي لا تقل دهاءً وبلاءً عن عبير عندما كانت في أوج شبابها ، ولكن السؤال : هل تطول قصة ناصر مع شهيرة والتنظيم

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك