قصة باعة جائلون في سنغافورة

منذ #قصص اجتماعية

كان المنظر غريبًا أيما غرابة ، على الرغم من أنني لم أكن أراه للمرة الأولى ، فهو مشهد معتاد لدينا في مصر ، على الأقل ولكن في سنغافورة الوضع مختلف فقد شعرت بأنني في قلب القاهره فعلًا ، وفي ميدان العتبة الخضراء بالتحديد ، فالتيشيرتات هي نفس التيشرتات ، والولاعات هي نفس الولاعات ، ولكن الباعة لم يكونوا نفس الباعة بالتأكيد ، فقد كانوا هنودا يبيعون

يوم السبت :
كانت هذه هي المرة الأولى التي أخرج فيها يوم السبت ، وفي سنغافورة يوم السبت هذا يعني الكثير ، فهو اليوم الذي يعمل فيه الناس نصف يوم ، ويستعدون كذلك لأجازة يوم الأحد ، باختصار يعد يوم السبت في سنغافورة بمثابة يوم الخميس بمصر ، وإن كانت الأيام لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض ، إلا في بلاد العمل والإنتاج ، ويوم العطلة الأسبوعية يعني الكثير لأناس لم يجف عرقهم ، بعد أيام عمل شاقة طوال الأسبوع 

أسواق الباعة الجائلون :
ولكن يبدو أن هناك أناس كانوا يستعدون للعمل يومي السبت والأحد ، وكانوا يعملون بمنتهى الجد لنصب أسواق مخصصة للباعة الجائلين ، أسواق تعمل فقط يوم السبت بعد الظهر ، وفي يوم الأحد طوال اليوم ، أسواق تجد فيها كل ما يخطر في بالك مع بضائع صينية وهندية وملابس وأجهزة جديدة ومستعملة من كل الماركات على كل شكل ولون

كانوا يفترشون الأرض في حديقة كبيرة تتوسط ميدانا كبيرًا ، بالقرب من محطة متروبوجيس ، أي أنه أشبه بأسواق ميدان العتبة الخضراء ، والفارق الوحيد هو أن الأسواق كانت مؤمنة بالفعل ، لكن ليس بالإخوة البلطجية الذين يملأون الأسواق عندنا ، إنما بعربات الشرطة التي كانت تمشط المكان باستمرار ، فأنت في دولة تحترم البيع والشراء ، ولكن تحت مظلة القانون

داخل السوق :
تجولت داخل السوق كنوع من أنواع حب الاستطلاع ، لا حباً في الشراء ،فأنا من هواة التعرف على الأشياء ،مابين الحديث منها على أحدث طراز، مثل اسطوانات الليزر والكاميرات الرقمية ، إلى القديم جداً ويدخل في باب الأنتيكات ، مثل الجرامافونات واسطواناتها وكاميرات التصوير عتيقة الطراز ، والراديوهات الخشبية الكبيرة جداً من عهد ماركوني ، وكذلك التماثيل الهندية والورقيات والخزفيات الصينية والتوابل والأعشاب الطبية

وأشياء أخرى لم أتبين ما هي بالضبط ، من أقفاص تمتلئ بحيوانات وطيور غريبة الشكل ، بل وصناديق زجاجية تحتوي على كل شكل ولون ، فأيقنت أن الأمر قد بات بالغ الخطورة ، فأسرعت على الفور بمغادرة الحديقة ، فربما تكون هناك نمور وأسود معروضة للبيع ، وأنا لست من سلالة عائلة الحلو ..باعة جائلون في كل دول العالم :
والحقيقة أنه لا يوجد دولة في العالم  يخلو من الباعة الجائلين ، ففي ظل ارتفاع الأسعار المبالغ فيه ، في بضائع المحلات التجارية المثقلة بأعباء الضرائب وأجور العمال وتكاليف الديكورات والإضاءة والفواتير التي لا تنتهي

التي تصب في نهاية على رأس المستهلك النهائي ، فيلجأ المسكين لأي بائع على ناصية الشارع ، لا يدفع أي شيء لخزينة الدولة ، التي رصفت وجملت وأعدت له هذا الشارع ، الذي يستغل كل شبر فيه ، حتى تغول هؤلاء الباعة في بعض الدول ، وصارت إزالتهم من بعض الشوارع أشد وطأة من إزالة الاحتلال الأجنبي قديماً ، وصارت الأرصفة بل الشوارع كلها ملكاً لهم !!فهم أساس المشكلة :
لكن الدول التي وعت التجربة منذ بدايتها علمت بأن الأمر لا يمكن ايقافه بالحملات الأمنية ، ولا بمصادرة العربات وتحميلها لترقد أمام مديريات الأمن ، بعد الإطاحة بالبضائع على قارعة الطريق ، ثم بعد أن يمر أقل من نصف ساعة على تلك التجريدة الأمنية ، سوف تجد كل شيء قد عاد لأصله ، وكأن شيئاً لم يكن ..العثور على حلول في سنغافورة :
وقد تغلبت دول متقدمة مثل سنغافورة على تلك المشكلة ، ولكن بعدم دفن الرؤوس في الرمال ، إنما بتخصيص اماكن محدده لهؤلاء الباعة ، وفي أيام محددة تحت اشراف الأمن الذي يحرس المكان ، ويعرف كذلك ما يباع وما يشترى ، فلا يمكن أن تمنع شيئاً ليس له بديل ، فتكون كمن يمنع الزواج ثم يتحسر على ضياع الأخلاق !..

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك